“أشعر بالراحة قبل كل شيء، فهنا لسنا هدفًا للطيران، واحتمال أن يستهدف هذه المنطقة ضئيل جدًا، بعدما تعبنا كثيرًا داخل المدينة”، بهذه الكلمات يصف منير الأسود، الراحة التي يعيشها بتغيير سكنه إلى خارج مدينة إدلب، في منطقة متطرفة وبعيدة عن التجمعات السكنية.
انتشرت مؤخرًا ظاهرة بناء المنازل خارج المناطق المأهولة وفي الأراضي الزراعية وبين الطرقات الفرعية، وذلك لعدة أسباب أهمها أن التجمعات السكنية هي هدف للطيران بشكل دائم.
كم يكلف بناء المنزل؟
تامر العنبي يملك مكتبًا عقاريًا في إدلب ويعمل في مجال تعهدات البناء، تحدث لعنب بلدي عن واقع حركة العمران في المحافظة، ”أصبح شغلنا الشاغل بناء المنازل في الأراضي الزراعية والأماكن البعيدة، فلم يعد هناك من يبني داخل المدن لأنها مستهدفة”.
توجد عدة مقاييس لحساب التكلفة التقريبية لبناء المنزل، ففي البداية قطعة الأرض، فبعض الناس يملكون أرضًا يريدون البناء عليها، لكن آخرين يبحثون عن شراء الأرض أولًا.
يتراوح سعر المتر الواحد من ألفين إلى عشرة آلاف ليرة سورية، حسب المنطقة وطبيعة الأرض، ولكن أغلب الذين يريدون شراء أرض مخصصة للبناء لا تهمهم طبيعة التربة، هل هي صالحة للزراعة أم لا.
وأوضح العنبي “وسطيًا أنت بحاجة لمساحة 400 متر لتبني على قسم منها ويبقى قسم آخر لفناء البيت”، مشيرًا إلى الأمور التي تتحكم بسعر كتلة البناء، كالمساحة وطريقة البناء وعدد الطوابق، ونوعية الإكساء، وغيرها.
عادة تبنى “الدار” من أربع غرف مع ملحقاتها، بمساحة 150 مترًا، وقدّر العنبي أن التكلفة تتراوح بين خمسة إلى 15 ألف دولار.
إن لم يكن لديك وسيلة نقل فـ “صعبة”
يواجه سكان المنازل المتفرقة عدة تحديات وصعوبات، فهم يسكنون في منطقة لا يوجد فيها خدمات مدنية.
عنب بلدي تحدثت إلى باسل خير بيك، الذي يملك منزلًا في أرض زراعية بريف إدلب الشرقي بالقرب من بلدته، التي رفض ذكر اسمها، تخوفًا من القصف، وأوضح بدوره أن أبرز الصعوبات التي يعاني منها هي بعده عن المناطق الحيوية التي توجد فيها الأسواق والخدمات بأنواعها، ما يضطره للذهاب أكثر من مرة يوميًا للبلدة القريبة وشراء حاجاته.
وأضاف أن الخدمات الرئيسية كالماء والكهرباء غير موجودة نهائيًا في منازل المناطق النائية، ويستعان بصهاريج الماء لتعبئتها في خزان تحت الأرض يتسع لكمية كبيرة تكفي المنزل لقرابة شهر. أما الكهرباء فتولّد عبر مولدات “مازوت”، مشيرًا إلى تكلفتها المرتفعة مقارنة بتكلفة الأمبيرات في المدن.
الكثير من ساكني المنازل المتفرقة يستعينون بألواح الطاقة الشمسية لكي تمدهم بالكهرباء كمصدر بديل وشبه مجاني، بحسب خير بيك، الذي أردف “لكن بالتأكيد تبقى مشكلة الكهرباء أكبر بكثير مما هي عليه داخل المدن المدن والبلدات”.
واعتبر منير الأسود، الذي يقطن حاليًا في منطقة قريبة من مدينة إدلب، أن من ينوي السكن في مكان متطرف، يجب عليه أن يمتلك وسيلة نقل قبل بناء المنزل أو امتلاكه.
وعزا ذلك إلى أن “المناطق النائية لا توجد فيها حركة سيارات، وأنت بحاجة ضرورية للتنقل بشكل يومي إلى مركز البلدة القريبة، ناهيك عن الحالات الطارئة التي يمكن أن تحدث كحاجتك لدكتور أو مستشفى ليلًا، وإلا فإن قاطن المنزل سيتعذب كثيرًا”.
منزل أم مقر عسكري؟
وفي وجهة نظر مغايرة، اعتبر سمير الحسن، من أهالي مدينة إدلب، أن المنازل المتفرقة أصبحت كثيرة جدًا، وملاحظة بشكل كبير، فبين المدن والبلدات تجد منزلًا كل كيلومتر واحد، وهذا ما قد يجعلها هدفًا للطيران في بعض الأحيان، للتخوف من وجود مقر عسكري، خاصة عند وجود أكثر من سيارة في مكان واحد.
وأضاف “لذلك أرى أنه من الأسلم أن يسكن الشخص بين الناس وأماكن تجمعهم، ويشارك الجميع في مصائرهم”.
بين معارض ومؤيد لفكرة المنازل المتفرقة تحظى الظاهرة بانتشار واسع وإقبال من الأهالي، وخاصة في المدن التي تتعرض للقصف بشكل أكبر من غيرها، بعدما كانت المنازل البعيدة سابقًا عبارة عن غرفٍ صغيرة لأدوات الزراعة في الأراضي، أو مبان راقية (فيلات) يزورها أصحاب الأموال للاستجمام والتنزه.
عربي 21