الاقتصاد الروسي وصل إلى «لحظة الحقيقة» مع إعلان الحكومة الشروع في بيع أصول مملوكة للدولة، لإنقاذ موازنة هذه السنة والتي تعاني عجزاً يزيد على 3 تريليونات روبل (نحو 50 بليون دولار).
والتوقّعات «المتفائلة» التي أكدت أكثر من مرة خلال العامين الماضيين، أن «روسيا تجاوزت ذروة الأزمة»، وتنطلق إلى «معالجة تبعاتها» في عملية لن تستغرق إلا بضعة شهور، اصطدمت بحقيقة مُرَّة، عندما أطلق القطاع الاقتصادي في الحكومة أوسع عملية تخصيص في البلاد منذ العهد السوفياتي، لإنقاذ خزينة الدولة من إعلان عجز. وبات واضحاً أن نهاية نفق الأزمة ما زالت بعيدة، وبعضهم يتحدث عن عام 2019، وآخرون يرجّحون استمرار التدهور إلى ما بعده بقليل، لكن الغالبية الكبرى من محللي القطاع الاقتصادي تبدو متفقة على أن التحسن المنتظر خلال السنوات الثلاث المقبلة، ومع استخدام عائدات بيع بعض أصول الدولة، لن يعيد الخزانة الروسية إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة. وفي أحسن الأحوال يقدّر خبراء حجم الموازنة عام 2019 بـ75 في المئة من حجم موازنة روسيا عام 2014.
المعروض للبيع هذه المرة، جزء من أصول تمتلكها الدولة في عدد من المؤسسات العملاقة، والتجربة بدأت من عملاق الماس الروسي «آلروسا»، المؤسسة التي فاخرت روسيا طويلاً بأنها واحدة من أنجح الشركات الحكومية قبل أن تعصف الأزمة بها، وتسفر عن بيع 10.9 من أسهمها بمبلغ 52 بليون روبل. وبدا وزير التنمية الاقتصادية آليكسي أوليوكايف سعيداً بضخ هذا المبلغ في الموازنة المريضة هذه السنة، معرباً عن أمله بأن تنجح عمليات البيع الأخرى في رفد الموازنة وسد العجز الكبير. لكن خبراء في وزارته أشاروا إلى أن كل سلّة الأسهم الحكومية المعروضة للبيع حتى الآن، لن تعوّض حاجة الموازنة التي يبلغ العجز فيها ستين ضعف العائدات المنتظرة من التخصيص، ما يعني أن الحكومة «قد تعلن قريباً مرحلة ثانية وربما ثالثة من طرح الأصول المملوكة للدولة في الأسواق».
في المرحلة الأولى التي انطلقت قبل أيام، وينتظر أن تستكمل حتى حلول نهاية السنة، سيلتهم التخصيص كما قال أوليوكايف، أسهم بعض كبريات الشركات الروسية، وبينها عملاقا النفط «روس نفط» و «باش نفط»، ومجموعة الشحن البحري الكبرى «سوفكوم فلوت»، إضافة إلى مصرف «في تي بي» أبرز البنوك التي تدير التجارة الخارجية للحكومة الروسية، على رغم أن المسؤول عن القطاع الاقتصادي، نائب رئيس الوزراء إيغور شوفالوف رجّح «تأجيل» بيع أصول «في تي بي»، في انتظار نتائج عمليات التخصيص الأخرى.
يبدي المسؤولون عن القطاع الاقتصادي في الحكومة تفاؤلاً بأن المخرج الذي عثروا عليه لتجاوز ضغوط الأزمة، سيسفر عن انتعاش، وينقذ الموازنة من إعلان العجز. لكن الحل الذي بوشر في تنفيذه يبدو مريراً للرئيس فلاديمير بوتين الذي قاد على مدى سنوات حكمه سياسة أسفرت عن تعزيز قبضة الدولة على الشركات الاحتكارية الكبرى، وابتعد بالبلد من تداعيات عمليات التخصيص الكبرى التي أعقبت انهيار الدولة العظمى. ويبدو بوتين مضطراً الآن لأن يسلك الطريق ذاته، وإن كان يفعل ذلك في شكل منظّم، لا يسمح بتكرار فوضى «الإصلاحات العشوائية» في تلك المرحلة. بهذا المعنى، يشير خبراء إلى أن الأزمة الخانقة والمواجهة الحالية مع الغرب، أدتا إلى كبح جماح طموحات الكرملين، داخلياً على الأقل.
الحياة