لسان حال المواطن العربي يقول:
“إما أن أكون صريحاً مع نفسي, وأعترف أن الشعوب العربية جميعها دون استثناء تعيش في أشباه دول ويحكمها أشباه قادة طغاة, وإما أن نستسلم للأمر الواقع, لأن الطغاة كانوا دائماً شرط الغزاة في جميع الأزمنة”..
الحملة الإعلامية الأخيرة الصاخبة ضد دولة قطر, والتي يبدو أنها في بدايتها فقط, وأن الأمور للأسف قد تذهب إلى ما هو أبعد من المقاطعة, فزيارة الرجل الإقتصادي الديناميكي “دونالد ترامب” آتت أكلها باكراً..
يحق للمواطن العربي والمسلم أن يسأل جميع أشباه القادة والحكام دون استثناء, ماذا تعني إثارتكم لمشاكل مفاجئة, وفتحكم لملفات من المفترض أن تكون قديمة في هذا التوقيت تحديداً؟!
كيف لنظام حاكم أن يتهم نظاماً حاكماً بالخيانة, ويقدم الدلائل التي تدينه هو نفسه قبل أن تدين غيره؟!
كيف لمنظومة عربية متكاملة تمتلك مصادر الدعم وكل مقومات الاستمرار والنهوض بالأمة, أن تقع في الفخ الذي طالما انتظره الأعداء؟!, إلا إذا كانت هذه المنظومة هي مطية “رخيصة” للطامعين لا أكثر, وخادم أمين على أرزاق المستعمرين بالوكالة!
خليط الاتهامات:
عند كل أزمة تعصف بالمنطقة العربية وإطارها الإسلامي الكبير, يبرز أمر واحد فقط يلاحظه الجميع, ألا وهو, توزيع الإتهامات بالخيانة العظمى, فالأسد ونظامه اتهم المعارضين له بالخيانة والعمالة لصالح كل الأعداء المتناقضين, بحجة أنهم يخدمون المشاريع الصهيونية الرامية لإسقاط الدولة السورية, ولكنه يفاجئ السوريين باستجلاب المحتل الروسي الذي تربطه علاقات بدولة الكيان الصهيوني أقل ما توصف بأنها علاقات “حميمة”, ليقتل المعارض والمدني والعسكري, ويحتل الأرض والأجواء..
واليوم تنتقل الكرة إلى الملعب الخليجي, في أزمة هي الأشد من نوعها, والتي سيكون لها تداعيات كبيرة على المنطقة برمتها وربما العالم بأسره, فبين عشية وضحاها تستحضر وسائل الإعلام المحسوبة على المملكة العربية السعودية, ودولة الإمارات العربية المتحدة, ملف قطر “الإجرامي الخطير” الذي من شأنه زعزعة أمن الخليج والمنطقة العربية, رغم أن الإستقرار مفقود في المنطقة منذ عقود!..
تناقض:
قطر تربطها علاقات وطيدة مع إيران الدولة المتربصة بدول الخليج العربي, وقطر تقوم بدعم مليشيات الحشد الشعبي في العراق, وهي متورطة في دعم تنظيم الدولة الإسلامية ضد صنيعتها الأولى في العراق, وهي داعمة لجبهة النصرة التي تقاوم المشروع الإيراني في سورية, وهي أيضا قريبة وداعمة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر, وحركة حماس في غزة, وفي ذات الوقت هي عميلة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية!
من يتمعن في ملف الإتهامات الذي روجت له بعض وسائل الإعلام العربية بشكل مفاجئ ومريب, سيكتشف أن باب الإتهام فتح في وجه قطر على مصراعيه, وباتت قطر في نظر أخواتها من بلدان الخليج العربي متهمة بالعمالة لكل “المتناقضات”!
إلى أين:
الأخطر من كل ذلك أن نسمع بين الفينة والأخرى, من وسائل الإعلام هذه التي قادت هذه الحملة المفاجئة, عبارة “قطر تدخلت في الشؤون الداخلية لدول الربيع العربي”!..
هذه العبارة تنقلنا إلى مستوى آخر من التفكير, وإلى تشخيص آخر لواقعنا المبني على الماضي في السنوات القليلة الماضية.
فلنفترض جدلاً أن ثورة الشعوب العربية لم تكن ثورات, بل هي عبارة عن تحركات مأجورة لصالح دولة قطر, بهدف ضرب الاستقرار الداخلي, ألم تدّعي بقية الدول الخليجية أنها داعمة للشعب السوري والتونسي والليبي والمصري واليمني في ثوراتهم ضد طغاتهم, ألم يفسد مال الخليج بشكل عام الثورة السورية, عن طريق شراء الذمم والضمائر, وخلق كانتونات عسكرية في الداخل ترتبط بشكل مباشر “بشيفرة” حساب البطاقات المصرفية لداعمها الخليجي؟!
إذن إن كانت قطر هي وحدها المتهمة بدعم الثورات العربية, فما هو دوركم أنتم, مازلتم تعترفون اليوم بأن الثورات هي أدوات قطر لضرب الاستقرار في المنطقة؟
كشفت زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة للمملكة العربية السعودية, حجم التسلط الأمريكي على استقلالية القرار الخليجي والتأثير عليه, فظهر ترامب بمظهر الحاكم العام, وما زعماء العالمين العربي والإسلامي إلا رعية فقط, وهنا قد تكمن نقطة الخلاف, وبداية الجدال المفاجئ..
فالولايات المتحدة الأمريكية تبدو اليوم وبشكل علني انها ضد الثورات وهي عدوة للشعوب, ولا تهمها سوى مصالحها الضيقة, لذلك أوعزت إلى رعاياها بتبادل الاتهمامات, من أجل البدء بتنفيذ مشروع أكبر مما نعتقد, فكل الود الذي أبدته قطر تجاه حليفتها واشنطن انتهى اليوم, ولم ينفعها كل ذلك من الإبتعاد عن عقوبة السيف الأمريكي, والحجة هي دعم الثورات العربية, والمؤسف أن الأداة هي الأخ والشقيق..
إن لم تع دول مجلس التعاون الخليجي مخاطر الإنزلاق في مشاركة الولايات المتحدة الامريكية مشروعها في تصفية آخر بلد عربي حاول أن يقدم نفسه للعالم كقوة سياسية واقتصادية فريدة, فسوف نكون أمام نسخة جديدة من حرب خليج قادمة كما في العراق سابقا, سيخسر فيها الجميع, ولن يستفيد منها سوى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وإيران, الدولة التي تراقب عن كثب عقوبة الإخوة لأخيهم الصغير, فمهلاً أيها العرب, فالشر قد اقترب..
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.