لا يدري الإنسان السوري كيف تكون الطريقة المناسبة للتعبير عن مشاعر “الفرح” العارمة عندما يقرأ خبراً مهماً كخبر انطلاق فعاليات مهرجان جديد في دمشق للتسوق, سيما وإن المهرجان يحمل أسماً طالما سمعناه على لسان مسؤولي حكومة النظام وهو: صنع في سورية..
مهرجان جديد يحمل اسماً رناناً يدل على مدى رفاهية الشعب السوري الذي تخطى حالة الفقر والحاجة والتشرد والتهجير لينتقل منها إلى حالة البناء والتطوير والاكتفاء الذاتي على جميع الأصعدة, وإعادة ضخ الدماء في شرايين البلاد النازفة منذ ست سنوات حتى اليوم, عن طريق إعادة تدوير العجلة الصناعية لتبدأ المصانع السورية في إنتاج المنتجات ذات المقاييس العالمية على طريق تصديرها إلى كل بلدان العالم الاخرى, ليتم رفد الاقتصاد المنتعش بمزيد من العملة الصعبة والقطع الاجنبي وكله تحت شعار “صنع في سورية”..
من يتابع أخبار المواقع الموالية للنظام والتي لا تتوقف عن تصوير الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد بأنها في أفضل حالاتها, ربما يصاب بالصدمة أو يشعر بالصداع في الرأس نتيجة المبالغة في تصوير استقرار المشهد السوري, فالبلاد تعيش حالة اقتصادية مزرية وموجة غلاء في الأسعار وصلت لدرجة قياسية وهي في تصاعد مستمر, والبطالة انتشرت في كل أنحاء البلاد, والشعب السوري يعاني أكثر من 80% منه من مظاهر الفقر والحاجة, والنازحين والمهجرين في الداخل والخارج أعدادهم بالملايين, فضلاً عن تدمير البنية التحتية للمئات من القرى والمدن والبلدات على اتساع رقعة البلاد بما فيها الأسواق والمدن الصناعية نتيجة أعمال القصف المركز والممنهج, ومع ذلك نقرأ في وسائل إعلام النظام عن انطلاق فعالية جديدة للتسوق من أجل تشجيع قطاع الصناعة والمنتجات المحلية في دمشق وكأن البلاد تعيش حالة فائقة من الاستقرار والهدوء, وتنعم بصورة مثالية من الأمن والأمان والسلم الأهلي والمحلي في تناقض غريب لا نسمع به إلا في وسائل إعلام النظام التي تعيش في كوكب آخر يبعد آلاف الأميال عن الكوكب السوري!!
نقل موقع “سورية الآن” الإلكتروني التابع للنظام خبراً عن انطلاق فعالية جديدة مساء السبت الفائت في حي المزة الدمشقي تحت عنوان “صنع في سورية” حيث كتب الموقع:
“انطلقت مساء أمس في صالة الجلاء الرياضية بالمزة فعاليات مهرجان التسوق الشهري صنع في سورية الذي تنظمه غرفة صناعة دمشق وريفها بمشاركة 110 شركات صناعية وطنية غذائية وكيميائية ونسيجية وهندسية تقدم كل ما تحتاجه العائلة السورية وبأسعار منافسة من المنتج إلى المستهلك مباشرة”.
مهرجان التسوق الشهري الذي أعلنت غرفة صناعة دمشق عن انطلاقه هو مهرجان قديم, وهذه هي الدورة السادسة والثلاثين لهذا المهرجان الذي تقدم فيه العروض والحسومات للمشترين, ولكن الجديد في هذه الدورة الحالية هو تقديم قسائم شرائية دعماً لأسر “الشهداء” من قتلى قوات النظام إضافة لتوزيع ميداليتين ذهبيتين وعدد من الهدايا المادية والعينية على الزوار, ويبقى السؤال؟
ما الغاية من استمرار المؤسسات الداعمة للنظام كغرفة صناعة دمشق في إقامة هكذا نوع من المهرجانات “الترفيهية” في ظل الظروف السيئة التي تمر بها البلاد؟
استمرار إقامة هذه المهرجانات في نفس الوقت الذي تجري فيه دماء السوريين جراء حملات النظام العسكرية على العديد من المناطق المحررة والمحاصرة في سورية, هو رسالة من النظام للمجتمع الدولي من أجل إيهامه بأن الوضع في سورية مايزال تحت السيطرة, وأن الأمور الاقتصادية والصناعية تعيش حالة طبيعية بل هي تزدهر يوماً بعد يوم, نتيجة إعادة فرض النظام لسلطته من جديد هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى تعتبر هذه المهرجانات نوع من التنفيس الذي يمارسه النظام لاستيعاب حالة الضغط والغليان في الشارع السوري المؤيد, والذي فقد عدداً كبيراً من أبناءه في جبهات الحرب دفاعاً عن النظام..
كل هذه الخطوات والتجارب “الهزلية” لن تغير من الواقع شيئاً, فمدينة دمشق التي تقام فيها هذه المهرجانات يعيش فيها الناس حالة اقتصادية مأساوية في ظل غلاء متصاعد للأسعار, وركود كبير في الأسواق, إضافة لانقطاع العديد من مواد الخام عن الورشات والمعامل المتبقية في محيط دمشق ومازالت قيد العمل بعد أن خرج الكثير من الصناعيين السوريين خارج البلاد, لذلك لن نستغرب دعوة هذه المواقع الموالية لمهرجانات لا تعبر إلا عن حالة رفاهية كبيرة يعيشها الشعب السوري بين الأسطر والكلمات المكتوبة فقط!!
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.