كان شيمون بيريس أحد أهم الرموز السياسية في إسرائيل منذ نشأتها عام 1948. وشغل تقريبا كل المناصب العامة، بما فيها مناصب رئيس الوزراء، والرئيس، رغم أنه لم يقد أي حزب للفوز بانتخابات.
ولد بيريس في فيشنييفا، في بولندا يوم الثاني من أغسطس/آب عام 1923، لأب يعمل تاجرا للأخشاب. واسمه الأصلي زيمون بيرسكي.
لم يكن والدا بيريس يهوديان متشددان، لكن شيمون درس التلمود في صغره على يد جده، وأصبح ملتزما دينيا.
وفي عام 1934، انتقلت الأسرة إلى فلسطين، التي كانت تحت الانتداب البريطاني آنذاك، لتلحق بالأب الذي كان قد هاجر قبل عامين، واستقرت في تل أبيب.
وتخرج بيريس في مدرسة الزراعة، وعمل في المعسكرات الزراعية (الكيبوتز). وانخرط في العمل السياسي وكان في سن 18 عاما عند انتخابه سكرتيرا للحركة العمالية الصهيونية.
وفي عام 1947، عينه رئيس وزراء المؤسس لإسرائيل، ديفيد بن غوريون، في منصب المسؤولية عن الأفراد وصفقات الأسلحة في الميليشيات الصهيونية التي عُرفت باسم “الهاغاناه”، وكانت نواة الجيش الإسرائيلي لاحقا.
واستطاع بيريس إبرام صفقة مع فرنسا لإمداد الدولة الحديثة بطائرات ميراج المقاتلة، وكذلك تأسيس منشأة نووية سرية في ديمونة.
وانتُخب بيريس عضوا في البرلمان الإسرائيلي (الكنيسيت) عام 1959، عن حزب مابي، الذي انبثقت عنه الحركة العمالية الحديثة في إسرائيل. وعُين آنذاك نائبا لوزير الدفاع.
واستقال لاحقا عام 1965 بعد الاشارة اليه في سياق تحقيق اعيد فتحه في عملية “سوزانا”، وهي خطة إسرائيلية لقصف أهداف بريطانية وأمريكية في مصر عام 1954 في محاولة للتأثير على بريطانيا لعدم سحب قواتها من سيناء.
وكشفت مراجعة التحقيق الأصلي عن عدم اتساق الشهادات. وغادر كل من بيريس وبن غوريون حزب مابي لتأسيس حزب جديد.
وبعد استقالة رئيسة الوزراء الإسرائيلية، غولدا مائير، عام 1974 إثر حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول مع مصر، تنافس كل من بيريس وإسحق رابين في الانتخابات، التي انتهت بفوز رابين بمنصب رئيس الوزراء.
مفاوضات سرية
استقال رابين من منصبه كقائد لحزب التحالف عام 1977، بعد فضيحة مالية لحقت بزوجته. لكن ثغرة في الدستور الإسرائيلي سمحت له بعدم الاستقالة من منصب رئيس الوزراء.
وأصبح بيريس زعيما للحزب ورئيسا للوزراء بشكل غير رسمي، ثم قاد التحالف إلى هزيمة في الانتخابات أمام حزب الليكود بقيادة مناحم بيغن.
ومُني بيريس بخمسة هزائم انتخابية أخرى، انتهت كلها بحصوله على منصب وزاري كجزء من حكومة ائتلافية.
وفي عام 1992، فشل بيريس في الفوز بقيادة حزب العمل الإسرائيلي، بعد هزيمته أمام رابين في المراحل المبكرة من الانتخابات الحزبية.
وأثناء عمل بيريس في منصب وزير الخارجية في حكومة رابين، بدأ مفاوضات سرية مع الرئيس الفلسطيني السابق، ياسر عرفات، ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي انتهت بعقد اتفاقية أوسلو عام 1993. ولأول مرة، اعترفت القيادة الفلسطينية رسميا بوجود إسرائيل.
وبعد عام من أوسلو، حصل بيريس على جائزة نوبل للسلام، بالشراكة مع عرفات ورابين.
وتحول بيريس، الذي كان مدافعا عن تأسيس مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلة، إلى داعية للسلام، بل ومتحدث عادة عن الحاجة لقبول تنازلات أمام المطالب الفلسطينية بالحق في الأراضي.
وقال في إحدى المناسبات: “الفلسطينيون هم أقرب جيراننا. وأرى أنهم يمكن أن يكونوا أقرب أصدقائنا”.
وأصبح بيريس رئيسا للوزراء بعد اغتيال رابين عام 1995، لكنه لم يُكمل عاما في منصبه بعد هزيمته أمام بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود.
مصالحة
وفي عام 2000، فشل بيريس في الفوز بمنصب رئيس البلاد، وهو منصب شرفي، أمام موشي كاتساف.
وفي عام 2002، بعد هزيمة إيهود باراك، الذي خلف بيريس في قيادة حزب العمل، أمام آريل شارون في انتخابات رئاسة الوزراء، قاد بيريس حزب العمل الى التحالف مع الليكود، وفاز بمنصب وزير الخارجية.
وتمكن بيريس من تكوين “شبكة حماية” لشارون في الكنيسيت، ليتمكن من تنفيذ خطة الانسحاب من غزة وأجزاء من الضفة الغربية، في مواجهة معارضة من حزب الليكود نفسه.
وفي عام 2005، أعلن بيريس استقالته من حزب العمل، ودعمه لشارون الذي أسس حزبا جديدا باسم “كاديما”.
وعند إصابة شارون بغيبوبة، توقع البعض أن يصبح بيريس قائدا لحزب كاديما، لكنه واجه معارضة من أعضاء الليكود السابقين الذي شكلوا أغلبية في الحزب.
وفي يونيو/حزيران، انتُخب بيريس رئيسا لإسرائيل، واستقال من الكنيسيت بعد أن كان أقدم الأعضاء فيه في تاريخ البلاد.
وشغل بيريز منصب رئيس البلاد لمدة سبعة أعوام، حتى استقال عام 2014، وكان آنذلك أكبر الرؤساء سنا في العالم.
BBC