أما في سوريا فإن الأمر مثير للدهشة، لأن وزارة الإعلام مكنت أشخاصاً بعينهم من السيطرة والحصول على تراخيص المؤسسات الإعلامية، يضاف إلى ذلك الوكالات الإعلانية الحصرية.
ويعتبر كل من رامي محمد مخلوف- ومجد بهجت سليمان- بلال التركماني ابن وزير الدفاع حسن التركماني- وأيمن جابر، حوت الحديد والصلب، ومحمد صابر حمشو- وأكثم علي دوبا، أباطرة الإعلام السوري بلا منافس.
أباطرة الإعلام السوري من رجال أعمال:
رامي مخلوف، أنشأ جريدة الوطن كـ “واجهة” سياسية لإظهار الحزب القومي السوري الاجتماعي، وعين لهذا الغرض مديره الإعلامي جورج قيصر.
مجد بهجت سليمان، صاحب أكبر امبراطورية اعلامية سورية، المدير التنفيذي لمجموعة الوسيط الدولية، رئيس مجلس إدارة المجموعة المتحدة للنشر والإعلان UG، شريكة رجل الأعمال بشار كيوان، ويملك 11.05% من أسهم المجموعة، ويبلغ رأسمال الشركة 450 مليون ليرة سورية، وكيوان مؤسس ورئيس مجموعة الوسيط الدولية AWI، وهي من أكبر المجموعات الإعلامية في الشرق الأوسط والتي تعمل على إنتاج الإصدارات العربية فقط، من مجلة فورتشون التجارية والناشر العربي لإصدارات الشرق الأوسط لمجلات (ماري كلير،غالا، توب غير، فورتشون) إضافة إلى جريدة بلدنا ومجلة ليالينا.
أما أيمن جابر ومحمد صابر حمشو، أنشؤوا مع رجال أعمال آخرين تلفزيون الدنيا وقناة سما الفضائية.
وأكثم علي دوبا أنشأ جريدة ومجلة الرياضية، في احتكار واضح للإعلانات والرعاية الخاصة في هذا المجال.
حوار مع كاتب وناقد سوري
لكن، لماذا لجأ هؤلاء لإنشاء وسائل إعلام خاصة؟، وكيف تم حجب الإعلانات عمن يناوئ النظام (من الصحافة المحلية والعربية)؟، ومتى تم تجريد كبار الصحفيين من حقوقهم المدنية؟
هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها الكاتب والناقد السوري، محمد منصور، من خلال هذا الحوار:
* في البداية لماذا لجأ رجال أعمال مثل رامي مخلوف- مجد سليمان- محمد حمشو- بلال تركماني وغيرهم، إلى تمويل وسائل إعلام سورية خاصة؟
لجأ هؤلاء لإنشاء وسائل إعلام خاصة لأمرين اثنين… الأول هو الظهور كشخصيات عامة مؤثرة بالرأي العام، ومشاركة الحكومة في سياسة “القطيع” وتلقينه وتوجيهه حسب الرؤية التي ينظر إليها النظام لدور الإعلام كبوق يلقن الجماهير ما تريده منه الحكومة، والأمر الثاني: هو تقاسم الكعكة الإعلانية التي تسيطر عليها المؤسسة العربية للإعلان التابعة لوزارة الإعلام، وتديرها بعقلية العصا والجزرة.. فتحجب الإعلانات عمن يناوئ النظام (من الصحافة المحلية والعربية)، وتكافئ من يطبل له. الآن قرر هؤلاء أن يستولوا على حصة الإعلانات وأن يبتزوا الحكومة – وليس النظام – في هذه المسألة، ناهيك عن الهبات والأعطيات.
* ولماذا لم يتم إعطاء التراخيص لمؤسسات إعلامية كبرى، لغير الأسماء المذكورة أعلاه؟
السبب في ذلك هو نفس السبب الذي دفع نظام البعث منذ إعلان انقلابه العسكري الأسود، إلى إغلاق الصحف والمجلات الخاصة، ومصادرة وسائل الطباعة والنشر، وتجريد كبار الصحفيين آنذاك من حقوقهم المدنية، إنها تلك الرغبة في الاستيلاء على أي وسيلة تواصل مع الرأي العام، وحصر ذلك في أشخاص يرتبطون بالنظام ارتباطاً عضوياً، كي يبقوا مدافعين عن بقائه، مسوغين لأخطائه وخطاياه، باستثناء بعض الانتقادات المحدودة لرئيس حكومة أو وزير أو مدير عام فاسد لم يعطهم حصتهم من إعلانات أو اشتراكات فخرية أو رعاية مدفوعة الأجر.
*وكيف يتم منح التراخيص الإعلامية؟
خلف كل ترخيص إعلامي ثمة مواقفات أمنية كبرى.. وهذه الموافقات تأخذ بعين الاعتبار الاستزلام السياسي، والنفوذ السلطوي، والفساد الاقتصادي والأخلاقي، كسمات يجب توفرها في صاحب الترخيص.. وبالتأكيد يتم ذلك بشكل محدود، لأن المطلوب هو ألا تغرق السوق بمنابر كثيرة يمكن أن يصعب السيطرة عليها لاحقاً.
*وسائل الإعلام هذه كان لها حضور أقوى من حضور وسائل النظام، بل إنها دافعت بشراسة عن النظام، لماذا؟
حين اندلعت الثورة، أعطيت وسائل الإعلام هذه امتيازات وتسهيلات أكبر من تلك التي يمتلكها الإعلام الرسمي للقول إن وسائل الإعلام الخاصة، غير المملوكة للحكومة، تدافع عن هذا النظام الوطني أكثر من وسائل إعلام النظام، وليس هناك إجماع على إسقاط النظام أو ثورة شعبية، بل مؤامرة أو “حرب أهلية ” في أحسن الأحوال. وبالمقابل دافعت وسائل الإعلام المسماة زوراً وبهتاناً، “خاصة”، وهي لأناس هم جزء من النظام، ومستثمرين بأموال فساده، دفاعا مستميتاً، لأنها تدرك أنها مرتبطة بوجوده، اقتصادياً وإعلانيا وتمويلياً، ولأنها في الحالة الصحية رؤساء تحريرها أو حتى مالكيها لا يصلحون حتى حجّاب أو أذنة في وسائل إعلام مهنية وحقيقة.. فهم متعدون على المهنة، دخيلون وطارؤون عليها، كما النظام نفسه!.
*ما الذي قدمته للناس وهل كان الهدف تلميع دور رجال الأعمال؟
في البداية، قدمت وسائل الإعلام الخاصة هامشاً أوسع بقليل من هامش إعلام النظام، وأداء إعلامياً أقل جموداً وتكلساً ونمطية من حيث الشكل.. وإن كانت من حيث المضمون تشبه في جوهر أدائها وسائل إعلام النظام. لكن ما أن خضعت لأول اختبار حقيقي، وهو نقل الخبر – بحيادية – حين اندلاع المظاهرات الأولى للثورة، حتى بدت أكثر براعة في الكذب من النظام نفسه.. وأكثر افتراءً، وبالتالي لم تقدم للناس سوى مجالاً آخر للخداع والتزوير إنما بأشكال وأسماء ووجوه أخرى بعد أن أصبح وجه الإعلام الرسمي – قبل الثورة – كالحاً وكئيباً ومنفراً لدرجة أنه غير قادر حتى أن يسوق ما يقوله النظام لشدة كراهية الناس له.
وبالنسبة لوسائل الإعلام المسماة تجاوزاً بـ “الخاصة”، فلم يكن الهدف تلميع مالكيها من رجال الأعمال، بل تلميع النظام ورأسه. فهؤلاء كانوا ومازالوا مطايا وبلا كرامة، وهم ليسوا رجال أعمال بالمعنى الحقيقي للكلمة، بنوا ثرواتهم من المنافسة الاقتصادية ومهارة إدارة الخطط والمشاريع، بل هم عسكرتاريا محدثة نعمة، أو أقرباء مسؤولين، أو مدراء أعمال لمسؤولين كبار أو شخصيات نافذة من آل الأسد، هدفهم تبييض أموال الأسرة الفاسدة، ثرواتهم بنوها من الاستيلاء على مناقصات كبرى للدولة بطريقة غير شرعية، أو من تصفية خصومهم في السوق عبر المضايقات الأمنية، أو من التهريب بتسهيلات رسمية.. وبالتالي لم يكن همهم سوى تلميع صورة أسيادهم من آل الأسد ونظامهم اللصوصي القمعي.
اقتصاد