أربع سنوات على الحرب في سورية. تغيرت دماء كثيرة سالت في النهر الجاري. معالم البلد تغيرت. الثورة أصبحت بلا أهداف، القيم انهارت. لم يعد أحد يتحدث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والعلمانية.
الذين رفعوا هذه الشعارات إما قتلوا أو تحولوا إلى مجرد مقاتلين، أو أصبحوا أمراء حرب. والمصرون على قيم الحرية ليس لهم مكان ولا وجود على الأرض. مكانهم في عواصم تعاديهم قبل أن تعادي النظام. تطلب منهم أن يكونوا مجرد ديكور يحفظ ماء وجهها. وتأخذ عليهم عدم حمل السلاح وتشكيل ميليشيات. هكذا أصبح هيثم مناع ورفقاؤه في هيئة التنسيق وحركة «قمح» مجانين في نظر هذه الدول، على رغم نضالهم السابق والحالي. لا مكان للوطنيين المسالمين ولا للمناضلين السلميين في احتفالية القتل وتدمير الحاضر والمستقبل، تارة باسم الحرية وأخرى باسم ماض لا يعرف الداعون للعودة إليه عنه شيئاً، سوى ما سمعوه من «فقهاء الظلام» (بالإذن من سليم بركات) في زمن «داعش» و»القاعدة» وتفرعاتهما.
في «فقه» هؤلاء لا وجود للوطن والوطنية. ولا للحريات الشخصية والعامة. ولا للإنسان الفرد. الإنسان في «فقههم» خادم مطيع، لا يحق له النقاش ولا الاحتجاج ولا التفكير، بل عليه حفظ ما يلقن والعمل به من دون سؤال أو اجتهاد أو تأويل. هم ضد المفكرين الأحياء. الحكم على هؤلاء قطع الرأس. وهم ضد الأموات. ألم يقتلعوا تمثال أبو العلاء المعري وأبو تمام؟ ألم يحولوا بعض شوارع الموصل إلى سوق للعبيد والإماء والجواري؟
النظام في سورية تغير، أو سقط. لم يعد النظام الذي نعرفه. هو محاصر في الداخل والخارج. لا بل الشعب محاصر في الداخل والخارج. ملايين المشردين والنازحين واللاجئين. عشرات آلاف القتلى. لا وجود للمؤسسات. المصانع والمدارس والمستشفيات… دمرت. مدن بأكملها هجرت. العروبة التي كانت شعار السوريين، وباسمها قُمعوا وسجنوا وعُذبوا انتهت إلى شعارات طائفية ومذهبية. أما الوحدة العربية فأغنية من الماضي. الوطنية السورية التي لم يشك فيها أحد في السابق لم تعد جامعة. الولاء للخارج «ربيح» فليس في الداخل ما يؤمن النفوذ والمال، وليذهب الشعب إلى الجحيم.
أربع سنوات على التدمير الذاتي في سورية لم يخرج أحد من منظري «الثورة» ليمارس النقد الذاتي. أو ليقرأ الواقع من منظار جديد. كل ما نقرأه أو نسمعه لا يعدو كونه استثماراً للمأساة، إما لأهداف شخصية أو لعجز في التفكير. أو بدافع الولاء لواشنطن التي أصبحت بالنسبة إلى هؤلاء أقرب من دمشق.
الحياة: مصطفى زين