بعيدا عن الحرب والدمار وبغض النظر عن النتائج الدموية لنظام الأسد، لابد من التطرق لأبرز ما قدمه هذا النظام لمن تبقى من الشعب السوري الصامد.
فمع استمرار العمليات العسكرية في سوريا وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد وتدمير النظام لمعظم المنشآت الخدمية لأغلب المناطق الخارجة عن سيطرته، لجأ المواطن السوري لوسائل بديلة يعتمد عليها لتأمين الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية، كاستخدام الحطب للتدفئة و البابور للطبخ والصهاريج لتعبئة المياه والمولدات والشمع للإنارة وغيرها من الاختراعات التي قد تفيده لاستمرار حياته اليومية.
بعد غياب طويل دام عقودا عاد “بابور الكاز” ليظهر في مطابخ السوريين ليستخدموه في الطهي وتسخين المياه للاستحمام بديلا عن اسطوانات الغاز التي ارتفع سعرها بشكل يعجز غالبية المواطنين عن شرائها، وعلى الرغم من صعوبة استخدامه إلا أن النظام اعتبره إحياءً للحرف التقليدية حيث نشرت صحيفة تشرين الموالية للنظام، ” أن الحرب التي يعيشها السوريون تدفع العديد من المواطنين لإحياء المهن التقليدية الشعبية التي كانت معروفة في ربوع سوريا قبل عقود” و أضافت الصحيفة أن البابور كواحدة من تلك المهن متجاهلة الأضرار الصحية التي تخلفها رائحة الكاز التي يعتمد عليها البابور في تشغيله.
أم يزن التي تستخدم البابور في حي المشهد بحلب تقول، ” اضطررت لاستخدام البابور عوضا عن الغاز على الرغم من صعوبة استخدامه خاصة للأولاد فهو اختراع جديد بالنسبة لهم ويشكل خطراً على حياتهم”.
لطالما استهدف النظام المواطن السوري في لقمة عيشه لتصبح لقمة مغمسة بالدم فدمر العديد من الأفران، مما اضطر النساء في سوريا أن يتعلمن كيفية صنع الخبز على الصاج أو التنور لتأمين الخبز بالمنازل على الرغم من صعوبة الأمر بالنسبة لهن، فيكون النظام أيضا السبب في إحياء تلك المهنة.
تقول يمان إحدى النسوة في داريا، ” استيقظ يوميا في الصباح الباكر فأقوم بعجن الطحين لإعداد الخبز وخبزه على الصاج، مهمة صعبة علي انجازها بشكل يومي لإطعام أطفالي”.
استكثر النظام من حصول المواطن على الماء والكهرباء لتكون هدفا لطيرانه، فكانت الآبار والصهاريج هي الحل الوحيد للتغلب عل أزمة انقطاع المياه الدائم.
تشتكي فاطمة من الغسيل اليدوي الذي فرض عليها، ” ينقل أولادي المياه من أحد المناهل القريبة للطهي والاستحمام و أعمال التنظيف اليومية فليس لدي مقدرة شراء صهريج ماء”.
و انقطاع الكهرباء المستمر دفع أغلب الناس ممن لا يمتلكون القدرة على شراء المولدات أو الاشتراك بالأمبيرات لشراء الشمع أو لمبة الكاز لاستخدامها في الإنارة عوضا عن الكهرباء التي لا يوجد هناك أمل في عودتها.
أبو مصطفى من اللطامنة في ريف حماة، ” لجأت إلى شراء الخابية الفخارية لتبريد المياه بدل البرادات التي أصبحت من الأشياء الكمالية لا حاجة له مع انقطاع الكهرباء المستمر”.
كما فرض النظام في حربه على الشعب السوري نمطا جديدا جعلت حياتهم أقرب لحياة البدو الرحل لكن بدون غنم أو إبل، على الرغم من أنهم يعيشون بالمدن والأرياف، وقد أصبح منظر الخيام المنتشرة في مناطق كثيرة من سوريا أمرا معتادا
يقول عبيدة الذي يعيش في خيمة بالقرب من بلدة سلقين بادلب، ” بعد استهداف النظام لبيتي أصبح العيش في خيمة مع الأولاد والأهل خير من العيش في الخوف والرعب اليومي من الطيران”.
و أهم ما يميز يوميات حياة المواطن االسوري هو حسن الاقتصاد فلجأ للعودة لتجفيف الأطعمة وتمليحها عوضا عن تخزينها بالثلاجات.
تخبرنا أم علي، ” لم يعد بإمكاننا تخزين الطعام في الثلاجات لذلك عدنا لأسلوب الجدات في تجفيف دبس البندورة والباذنجان والقرع غيرها من الأطعمة لنستخدمها في أيام الشتاء الذي لا نحصل فيه على تلك الخضار”.
أما على صعيد التسلية للأطفال ابتكر الأطفال لعبة جديدة نابعة من معاناتهم التي يعيشونها فرضها النظام في حربه ضد شعبه فيخترعوا أسلحة من أنابيب بلاستيكية و خشبية ليلعبوا بها، كذلك نصبوا العديد من الأراجيح على بعض مدافع الدبابات المدمرة، وتعلو ضحكاتهم البريئة فوق أصوات مدافع النظام وقذائفه.
ومن يدري، فقد تحمل الأيام القادمة مزيدا من التطورات التي يضيفها بشار إلى حياة السوريين، قد يلجأ من خلالها إلى ركوب الحصان كوسيلة نقل وإلى تبادل السلع عوضا عن المال أو عله يضطر لإرسال أولاده إلى “الكتاب” عوضا عن المدارس التي يدمرها.
حياة من الألم والمعاناة في التأقلم مع الواقع الجديد الذي فرضه النظام لمن بقي حياً تحت مرمى نيرانه على أمل بانتهاء الحرب في سوريا وإعادة بنائها من جديد.
سلوى عبد الرحمن
المركز الصحفي السوري