تبتلع الرمال السورية بشكل يومي عشرات القتلى من المدنيين الأبرياء ممن وجدوا أنفسهم فجأة تحت قصف متواصل من التحالف الدولي، وعمليات “تنظيم الدولة” حيث من الصعب خروج الأهالي للحياة الطبيعة، فيما يستغرق ذلك مزيداً من الوقت وتحرك دولي علّه يساهم في معجزة من شأنها إنقاذ الأبرياء.
غير أن من نجا من الموت بات مهدداً به بعد أن أصدر “التنظيم” قرار التجنيد الإجباري على الشبان شرقي سوريا، ليس هنالك قيد على الأعمار ولا يتم إعفاء حتى الابن الوحيد ..الجميع مطلوب دون استثناء إلا من وصفهم بأصحاب “الأعذار الشرعية”.
قرار ساري حتى اللحظة ولم يتم إلغاؤه وكل من يرى فيه التنظيم أنه قادر على حمل السلاح سيكون مطلوب وسيتم إلقاء القبض عليه، قسم كبير من الشباب أصبح خارج مناطق سيطرة التنظيم بسبب هذا القرار المفروض.
آلاف الأهالي لم يبق لهم ما يحتفظون به، لن يذوقوا طعم الأمان غداً، مع بقاء بعضهم في دائرة الشبه فترة، ليس لهم خيار آخر كونهم تحت حكم “تنظيم الدولة”، بعد أن أبلغ “التنظيم” في بيانه الأهالي بأنه سيتعامل مع المجندين الجدد مثلما يتعامل مع أفراده القدامى، مشيراً إلى أنه سيزج بهؤلاء الشبان في المعارك التي يخوضها فور اجتيازهم دورة عسكرية، من دون إدخالهم في معسكر كامل كما جرت العادة سابقاً، ما يؤكد تأزم موقفه الميداني.
ذاك ما دفع العديد من الشبان للخروج من مناطق سيطرة التنظيم هرباً من هذا القرار المفروض والذي سيزجهم في معارك تظهر فيها الخاسرة واضحة أمام قوة طيران التحالف الذي يقضي على الصغير قبل الكبير
أما القسم الآخر إما أنه لا يملك المال ليدفع للمهربين، حيث ينقلونه لأماكن تخرج عن سيطرة التنظيم وآخرون يحاولون الفرار إلى قرى صغيرة وبعيدة بعض الشيء بعد أن تقطعت بهم السبل.
وحسب مصدر من التنظيم “التنظيم أخذ جميع احتياطاته وشكل دوريات وعيّن موقع الحواجز للبدء بملاحقة المطلوبين استعداداً لجميع الاحتمالات الواردة بعد قرار التجنيد الذي أصدره”.
فوضى عارمة تعمّ مدينة دير الزور وقراها، حيث لم يعد بمقدور أحد أن يعرف من خرج ومن بقي، وسط أنّات الكثير من العائلات الفقيرة التي وقعت في دائرة النار والعوز معاً.. كثيرون منهم من يشكل المعيل الوحيد لأطفاله وليس لديهم الرغبة بالانضمام للتنظيم والموت تحت ضربات التحالف، عداك عن عدم قدرتهم بالخروج والفرار بمفردهم دون أسرهم المعدمة.. مأساة لا ينقصها سوى عجز الوصف.
عوائل لم تفكر يوما من الأيام أن تخرج من المدينة و لم تتصور أن تُحاصر بهذا الشكل، نزحت وسط حقول مليئة بالألغام فلا خيار.. كثيرون من ماتوا في طرق النزوح و كثيرون من يَرَوْن في الموت نجاتهم من هذا الجحيم.. موت محتمل أهون من أن يقفوا ضمن صفوف التنظيم بعد أن أُغلقت جميع الأبواب.. ناهيك عن دموع الألم التي تجرع كأسها كل من وطِئت قدمه تلك الديار.
أمهات لا تنشف دموعهن تبكين ليل نهار على من خرج من أبنائهن ولم يعرف عنهم شيئا.. أطفال ودعوا آبائهم وهم يحلمون بأمل اللقاء..
وحتى تضع الحرب أوزارها بات على المناطق الشرقية أن تدفع الثمن، وتكون بعد أيام قليلة مدينة أشباح لا يسكنها إلا القلّة من الشيوخ والنساء والأطفال، الحلقة الأكثر ضعفاً بين قوى متحاربة وجدت لها بين المدنيين حقاً في الحياة بين رحى الحرب التي يقودها تحالف دولي ضد تنظيم الدولة، مع العلم أنه لا جدال ضد خطورة التنظيم وضرورة التصدّي له.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد