بعد خمسة أشهر من الفراغ، صدّق البرلمان العراقي على حكومة جديدة، تواجهها تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية وصحية، وترافقها دعوات للدعم، في ثالث محاولة لتشكيل حكومة عراقية بعد استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.
وقال رئيس الحكومة الجديد، مصطفى الكاظمي، الذي كان رئيس جهاز المخابرات، اليوم الخميس 7 من أيار، في أول تصريح له بعد تأديته اليمين الدستورية إيذانًا ببدء مهامه رسميًا، إنه سيعمل بشكل حثيث على كسب ثقة ودعم الشعب العراقي.
بدوره، دعا رئيس الوزراء العراقي المستقيل، عادل عبد المهدي، للالتفاف حول الحكومة الجديدة وتقديم الدعم اللازم لها، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع).
في حين أكد النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي، حسن الكعبي، أن حكومة الكاظمي أمام تحديات اقتصادية وصحية وأمنية خطيرة ومسؤولية كبيرة في تجاوزها.
وبعد تأدية الكاظمي (53 عامًا) المعروف بعلاقاته مع واشنطن كما طهران، اليمين الدستورية مع وزرائه بوقت قصير، رحّب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بتشكيل الحكومة.
ومدّد بومبيو مهلة الإعفاء الممنوح لبغداد من العقوبات المفروضة على طهران، والذي يتيح لها الاستمرار في استيراد الغاز والكهرباء من إيران، لمدة 120 يومًا، بحسب وكالة “فرانس برس“.
ثالث محاولة لتشكيل الحكومة منذ استقالة عبد المهدي
ومن خلال تغيير الحكومة قبل انتهاء ولايتها، للمرة الأولى منذ الغزو الأمريكي في العام 2003، تريد بغداد طي صفحة عهد عادل عبد المهدي التي استمرت لعام ونصف العام.
ويعتبر عبد المهدي (77 عامًا) باستقالته في كانون الأول 2019، أول رئيس حكومة يترك منصبه قبل نهاية ولايته منذ عام 2003.
وقد استقال تحت ضغط المتظاهرين المناهضين لحكومته، وبعد مقتل أكثر من 400 منهم في مواجهات في الشارع خلال شهرين.
ويعد تشكيل حكومة الكاظمي هو ثالث محاولة لاستبدال عادل عبد المهدي، وإخراج البلاد من مرحلة ركود سياسي عمّقتها بوادر أزمة اقتصادية، بعد محاولتين فاشلتين مع محمد توفيق علاوي، وعدنان الزرفي.
ووفقًا للدستور العراقي، أمام الكاظمي فترة 30 يومًا لعرض حكومته الوزارية على البرلمان، وبخلاف ذلك تُرشح شخصية جديدة قد تكون الرابعة.
رجل متمرّس في السياسة والعسكرة.. ما نقاط قوته؟
مصطفى الكاظمي، ليس شخصية جديدة مطروحة على الساحة السياسية العراقية، فقد كان اسم الرئيس السابق لجهاز المخابرات العراقي واردًا منذ استقالة حكومة عبد المهدي، وحتى قبل ذلك كبديل لرئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في 2018.
لكن عوامل عدة حالت حينها دون التوافق عليه، خاصة مع وصفه من بعض الأطراف الشيعية على أنه “رجل الولايات المتحدة” في العراق، حسب “فرانس برس”.
ويملك الكاظمي ثلاث ركائز قوة في العراق، أولاها علاقة متينة مع الولايات المتحدة، عززها في التعاون خلال مرحلة قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، وصولًا إلى القضاء على زعيمه “أبو بكر البغدادي”.
أما الركيزة الثانية فهي بث الروح وتجديد خط التواصل مع إيران، التي استثمرت ذلك بوضع ثقتها في الكاظمي كشخصية قادرة على نزع فتيل الأزمة في البلاد.
والركيزة الثالثة هي علاقة أكثر من جيدة مع الجارة السعودية، خاصة أن هناك علاقة صداقة تربط الكاظمي بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بحسب مصادر سياسية، نقلت عنها “فرانس برس“.
في حين وجّه فصيل عراقي مقرب من إيران، قبل نحو شهر، اتهامات للكاظمي بوجود دور له في عملية اغتيال قائد “فيلق القدس” التابع لـ“الحرس الثوري الإيراني”، قاسم سليماني، التي نفذتها واشنطن في بغداد، وكان عليه إعادة تلميع صورته أمام الإيرانيين.
بينما وصف مدير الدراسات في معهد “الشرق الأوسط” بكلية لندن للاقتصاد، توبي دودج، الكاظمي بأنه “مفاوض بارز ولاعب ماكر”، مضيفًا أن العراق اليوم في وقت مستقطع، وقد ازدادت المخاطر كثيرًا.
مشاكل كبيرة سيواجهها الكاظمي
يتعيّن على الحكومة الجديدة للكاظمي العمل على طمأنة العراقيين الذين يرزحون تحت وطأة البطالة المتفاقمة، نتيجة الحجر الصحي وإجراءات الحظر الكامل للوقاية من فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وتداعيات انخفاض أسعار إيرادات النفط خمسة أضعاف خلال عام واحد.
وستبحث في اقتراح طباعة كميات من الأوراق النقدية، ما يثير مخاوف من أن تفقد العملة العراقية قيمتها.
كما ستعمل على إعادة التفاوض بشأن الإعفاءات الأمريكية التي تسمح للعراق بشراء الطاقة الإيرانية مع تجنب عقوبات واشنطن، التي أعلنت الأخيرة تمديدها مدة 120 يومًا.
وسيدفع العراق الذي يحظى بدعم حليفين عدوين، الولايات المتحدة وإيران، غالبًا ثمن هذا الصراع، خاصة بعد اغتيال الولايات المتحدة سليماني، ومعه نائب قائد قوات “الحشد الشعبي” العراقي، أبو مهدي المهندس.
وسيرث الكاظمي ميزانية للعام 2020 لم يُصوّت عليها إطلاقًا، ومع الانهيار الكبير للنفط، مصدر الدخل الوحيد في البلاد، ستكون الحكومة الجديدة، حكومة تقشف.
ويُتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 9.7% العام الحالي، وقد تتضاعف أيضًا معدلات الفقر، بحسب توقعات “البنك الدولي”، ما يجعل ذلك أسوأ أداء سنوي للبلاد منذ الإطاحة بصدام حسين في العام 2003.
وليس العراق بمنأى بعد عن خطر تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يحتفظ بخلايا في عدد المناطق لا تزال تنفذ ضرباتها بين فترة وأخرى.
المسيرة السياسية
ينتسب الكاظمي وهو من مواليد عام 1967 إلى عشيرة الغريب، حيث نزحت أسرته من الشطرة ذي قار، إلى كرخ بغداد (الكاظمية).
والده عبد اللطيف مشتت الغريباوي، سكن بغداد قادمًا من الشطرة عام 1963، وآخر عمل له هو مشرف فني في مطار بغداد، كما كانت له انتماءات سياسية وحزبية.
وحاز الكاظمي درجة بكالوريوس في القانون، وهو متزوج من ابنة مهدي العلاق، القيادي في حزب “الدعوة”، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وخلق خلال وجوده كرئيس للمخابرات روابط عدة مع عشرات الدول والأجهزة التي تعمل ضمن “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة.
درس الكاظمي في بداياته القانون بالعراق، وكان صحفيًا وناشطًا مناهضًا للرئيس العراقي السابق، صدام حسين، من أوروبا التي لجأ إليها هربًا من النظام حينها.
بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 على يد القوات الأمريكية، عاد الكاظمي إلى العراق ليشارك في تأسيس شبكة “الإعلام العراقي”.
وجاء ذلك تزامنًا مع دوره كمدير تنفيذي لـ”مؤسسة الذاكرة العراقية”، وهي منظمة أُسست لغرض توثيق جرائم نظام حزب “البعث” العراقي.
عمل كاتب عمود ومديرًا لتحرير قسم العراق في موقع “المونيتور” الدولي، وألّف العديد من الكتب أبرزها “مسألة العراق” و”المصالحة بين الماضي والمستقبل”.
وشغل رئاسة تحرير مجلة “الأسبوعية” المملوكة آنذاك للرئيس العراقي، برهم صالح.
وفي حزيران عام 2016، عيّنه رئيس الوزراء آنذاك، حيدر العبادي، في رئاسة جهاز المخابرات العراقي.
عنب بلدي