سيناريوهات متكررة لن ترها إلا هنا في سوريا، قصف ودمار وقتل ممنهج يستهدف المدنيين بذريعة محاربة الإرهاب وقصف مواقع متشددين، لكنّها لم تتعدَ الحجج الواهية فلم يُقصف إلا منازل المدنيين، كما شهدنا بكل المناطق المحررة وعلى مدى سنوات الأزمة الماضية، إدلب نالت حظا وافرا من القصف بعد هدنة دامت 6 أشهر وهدوء نسبي ضمن خانة المقتقبل من قبل السكان، هدوء نعمت به المدينة.
عشرة أيام من القصف على المحافظة مدناً وريفاً، جعلت كثيرا من سكان المدينة يفكرون بالنزوح إلى المزارع والبراري المحيطة بالمدنية خوفا من ضربات النظام المؤلمة التي جاءت على حين غرة، ما دفع كثيرا من الناس للهرب في عتمة الليل إلى الأراضي الزراعية، ناموا في العراء وقد تلحفوا السماء وافترشوا التراب.. وعانوا ما قد عانوه من تشرد في تلك الليلة، فاستمرت معاناتهم فيما بعد مع كثير من الحشرات التي كثرت وتعددت من بينها بعوضة اللاشمانيا، علما ان إدارة المدينة اتخذت تدابير عدة لمكافحتها داخل المدينة منذ مدة، لكن كل ذلك لم يحل بين الهاربين من القصف والإصابة بحبة حلب، نتيجة النزوح إلى الأراضي الزراعية.
سارعت بعض المنظمات الإغاثية إلى توزيع بعض المعونات الصحية للتخفيف عن الأهالي، كما وصف “أبوعبد الكريم” قائلا: “والله وزعولنا بطانيات وشوادر نحتمى فيها من الشمس الصبح ومن البق بالليل وطناجر وأضوية تشحن ع الطاقة الشمسية.. الله يجزيهن الخير”.
لكن وكما تابعت أم عبد الكريم: ” هربنا من الطيارة وتشردنا هون.. بس القعدة هون أصعب من الموت ما في شي النا الله، والطيارة ارحم بالنسبة إلي”.
لم تتوقف معاناة الخوف والهلع من الطيران الحربي عند سكان المدينة الأصليين، بل لحق أناسا هربوا من قصف مكثف طال مدنهم وقراهم في ريف حلب واللاذقية وحماة وغيرها من المناطق، التي حاول النظام إبادتها بشتى أنواع الأسلحة.. هربوا من التشرد لكنهم لحقهم كأنه قدرهم في هذه الحرب، مواقف تكررت معهم بفعل حرب لم تترك لهم مجالا للراحة والسكينة، وجعلت حياتهم مليئة بالخوف والتوتر وكثيرا من التشرد والعذاب.
يخبرني أبو زيد نازح من ريف حلب الشمالي التي قطن مدينة إدلب لاجئاً فيها لسخونة منطقته بفعل المعارك والاشتباكات المتواصلة: ” اجينا على إدلب واستأجرنا بيت أنا وعيلتي وأهلي.. وفتحنا محل سمانة صغير لأن إدلب ما فيها قصف كتير.. ما تهنينا انضربت البلد وقعدنا بالشول (بالعراء)”.
من لم ينزح إلى المزارع هرب إلى الريف معتقدا أنه أكثر أماناً إلا أن الطيران الروسي ومعه طيران النظام لا يميز بين ريف أو مدينة، يصب جام غضبه على البشر والحجر، لم يوفر أي فرصة للانتقام، ملاحقا حتى أحاسيس الناس بالأمان النسبيّ.. أبو أسامة يتحدث لنا عن ما لاقاه بنزوحه ويقول: ” طلعت من إدلب ع أريحا بنفس اليوم يلي وصلنا فيه ضربت الطيارة وتصاوب ابني.. حسبي الله ونعم الوكيل”.
وضع فرض على شعب تعلم التأقلم مع كل الأحوال، لكنّ حال الخوف والتشرد والحرب المريرة هل يمكن لصبر هذا الشعب أن يتحمله؟ شعب تعلم شكر الله على الضراء والسراء على ندرتها هذه الأيام، فعنده من الصبر ما يكفي أمما بحالها، هل ستسمر حال القلق والخوف بين حناياه؟ نعم إنه الشعب السوري الذي لم يبقَ له حيلة إلا الدعاء والتضرع لتفرج عليهم هذه الأوضاع.
المركز الصحفي السوري – آية رضوان