تصريحان لافتان إثر توتر العلاقات السعودية – الإيرانية، الأول هو من محمد رعد القيادي في الميليشيا المسماة بحزب الله والنائب للأسف في البرلمان اللبناني. يقول المذكور “يريدون في لبنان أن يصادروا الدولة بمؤسساتها الدستورية وغير الدستورية، لمصلحة وكيل عائلة خليجية أو لمصلحة سياسة أميركية أو غربية، كفانا عهرا وإفسادا وفسادا وسرقة، فمن يعيش الإفلاس في ملاذه الذي يأوي إليه الآن، لا يجب أن يجد مكانا له في لبنان من أجل نهب البلاد مرّة جديدة”.
أما التصريح الثاني فهو لمدير الأمن العام الأسبق جميل السيد، أحد أتباع الحزب الإلهي، عبر تغريدة في مواقع التواصل الاجتماعي استذكرت كلاما سابقا له عن الرئيس فؤاد السنيورة “إبقاء شخصية على قيد الحياة قد يكون مؤامرة”.
ذكرتني هذه التصريحات بحديث قديم لتابع إلهي آخر، الجنرال ميشال عون، الذي قال نصا على رؤوس الأشهاد، “إذا انتخبني سعد الحريري سأضمن سلامته”.
ثمة ألف مشكلة ومأخذ بخصوص أداء الرئيس سعد الحريري، لم تتبدل أسبابها حتى يتغيّر الموقف، بل إننا ندفع ثمن هذه الأخطاء كل يوم، لكن حين يتعرض للتهديد العلني بالتصفية من عصابة إيرانية، نصبح كلنا سعد الحريري بلا قيد أو شرط إلى زوال الغمة. نعم، ليس هناك تفسير لكلام محمد رعد إلا التهديد باغتيال الحريري في حال عودته إلى لبنان، كما أنه ليس هناك تفسير لكلام جميل السيد إلا التحريض على اغتيال السنيورة، ونحن هنا أمام جريمتين تتساوى عقوبتهما القانونية أحيانا مع عقوبة جريمة القتل نفسها.
هذا السلوك الميليشيوي الإجرامي ليس مستغربا، اتهامات المحكمة الدولية وحقائها كشفت الحقيقة، ووزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق صرح قبل أشهر في ذكرى اغتيال العميد الشهيد وسام الحسن “قبل عام طلبت من حزب الله رفع وصايته عن الفلتان الأمني في منطقة البقاع من أجل خطة أمنية، لكن الخطة الأمنية في البقاع لا تزال حبرا على ورق ووعودا في الهواء”، فمن يغطّي المطلوبين أمنيا، الذين تسببوا في معاناة البقاع وأهله واللبنانيين جميعا، من الطبيعي أن يكون مثلهم.
ما يثير الدهشة في هذا التصعيد، أنه تبع خطابا ناريا لأمين عام ما يسمى بحزب الله، السيد حسن نصرالله، مشرقا ومغربا بعيدا عن بوصلة الحقيقة في تعليقه على إعدام نمر النمر، ومن ذلك أن المملكة تواجه من ينتقدها أو يخالفها الرأي قتلا وإعداما، مع أن النمر كما أصبح معلوما تم إعدامه بسبب العمالة الإيرانية وتكوين ميليشيا هدفها رجال الأمن ووحدة المملكة وليس بسبب النقد، أي أنه نسخة سعودية لحزب الله في لبنان.
جاء الرد سريعا على نصرالله من محمد رعد وليس من أعداء الحزب، إذا قرر خصمنا العودة إلى لبنان سننتظره بالتصفية الجسدية، لو حصل ذلك في دولة أخرى لرفعت الحصانة البرلمانية واتخذ القانون مجراه، لكن السلاح خلق ميليشيا تزاحم الدولة من دون أيّ مساحة للحياء.
بالتأكيد حياة الرئيسين الحريري والسنيورة معرّضة للخطر، وهذا جزء طبيعي من العمل السياسي في كل مكان، والحقيقة أن الخطر هذه المرة يطال معهما رموزا أخرى في قوى 14 آذار، فالهدف المقبل للحزب الإلهي يجب أن يحقق أهدافا ثلاثة، أحدها أو كلها في عملية أو أكثر، استهداف أحد حلفاء المملكة ضربا للمملكة، قصم ظهر السنة استكمالا للمشروع الإلغائي ضدهم في سوريا والعراق، إحداث شلل دستوري ومؤسساتي شامل وكامل. واستهداف الحريري من الحزب الإلهي واضح المعنى، هو نفس هدف اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ضرب الاجتماع السياسي للسنة ووحدتهم، وتهشيم منهجهم الرامي إلى ترسيخ قيم الدولة والاعتدال والتنمية والإعمار.
أتابع هذه التصريحات متعجبا من موت الخجل، أصبح الحزب يمهد للاغتيالات ببيانات علنية، والأعجب هذا الصمت الدولي وهذا الخفوت في صوت ثورة الأرز وقوى 14 آذار، لم يعد الكتّاب والمحللون بحاجة إلى بذل جهد كبير لاستنتاج القاتل أو التصريح عن هويته، هو يبلغنا بذلك سلفا في اعتراف صريح بجرائم سابقة كان الحزب يتهم إسرائيل ومؤخرا داعش بالضلوع فيها.
وما أثار الدهشة هو تفرغ إسرائيل ثم داعش لتصفية خصوم حزب الله وإيران وسوريا الأسد، منذ محاولة اغتيال الشهيد الحيّ مروان حمادة عام 2004 إلى انعقاد مؤتمر الدوحة 2008 الذي تلا احتلال الحزب الإلهي لبيروت وترويعه الجبل، لم تتوقف ماكينة القتل عن حصد أرواح الساسة الوطنيين في لبنان. لم تشارك إسرائيل ولم يشارك التكفيريون في اتفاق الدوحة ومع ذلك توقف القتل إلى انتهاء مفاعيل الاتفاق، فغاب وسام الحسن ثم محمد شطح.
تصريح محمد رعد مدجج بالمغالطات، فلو كان سعد الحريري سارقا للبنان كما قال لما كان مفلسا كما قال رعد نفسه في ذات الجملة، ومن يعطّل الحكومة والبرلمان والرئاسة هو الحزب الإلهي وأتباعه لا تيار المستقبل أو المملكة، فمن يغيب عن جلسات انتخاب الرئيس هم نواب 8 آذار ومن يعطل الحكومة هم وزراء 8 آذار، ولا أحد يتحدث عن نسف اتفاق الطائف سوى قوى 8 آذار المسؤولة عن تفشيله وتعطيله.
سلسلة من الجرائم يمارسها الحزب ضد اللبنانيين ودولتهم والعرب كلهم، حين رأينا داعش ترحّمنا على إرهاب القاعدة، ومع آخر ممارسات الحزب الإلهي في حصار مضايا المخزي وإعلان استهداف الحريري والسنيورة، من دون أن ننسى اغتيال شهداء 14 آذار وعدوان 7 مايو واحتلال سوريا، أصبحنا للأسف نترحم على جرائم الصهاينة.
لا تتعجب من المقارنة بين إسرائيل وبين ما يسمّى بحزب الله، فكما أن إسرائيل دولة لطائفة واحدة، لا مكان في الحزب الإلهي إلا لأبناء طائفة واحدة، كل الأحزاب اللبنانية رغم الصبغة الطائفية لكلّ حزب تحرص على حضور شرفي من الطوائف الأخرى، إلا ما يسمّى بحزب الله، وحتى إسرائيل عندها حضور شرفي من الآخر عبر عرب 48.
يكفي الحريري شرفا ورفعة أنك تستطيع انتقاده آمنا، عكس الحزب الإلهي الذي ينتظر خصومه الشهادة عاجلا أو آجلا، الحريري مهما تكاثرت أخطاؤه ليس طائفيا ولا سفاحا ولا إرهابيا ولا مهرّبا، من يرفع شعار “لبنان أولا” هو بالتأكيد لبناني الهوية والولاء والانتماء، والطريف أنّ من يشكك في وطنيّته هو حزب ولاية الفقيه كما قال أمينه العام أو “وكيل الثورة الإسلامية والجمهورية الإيرانية” كما قال نائبه نعيم قاسم في كتاب له، رمتني بدائها وانسلت!
العربية – العرب