تلفزيون سوريا _ حسام جزماتي
تنقسم العائلة الأولى في سورية الراهنة إلى طبقتين، مما يصعّب أمر تصنيفها كعائلة حاكمة أو مالكة بالمعنى المألوف، رغم التوريث وملامح أخرى للحكم العائلي. ويعود أصل هاتين الدرجتين إلى التحدّر من ذرية هذا أو ذاك من ولدَي سليمان الوحش الذي قدم إلى القرداحة من مكان مجهول، وتزوج هناك وأنجب عدة إناث وذكرين سيخلّفان كنية الأسد التي تحولت إليها العائلة لاحقاً، هما علي وعزيز.
من سلالة علي سيأتي حافظ وفرعه «الذهبي» الحاكم، وشقيقه رفعت، الشريك السابق في السلطة، وجميل، الشقيق الثالث الذي حكم، وأولاده، «ولاية» اللاذقية لسنوات، وعدد من الإخوة الكبار غير الأشقاء الذين تتباين أهميتهم وقوة سلالاتهم وأشخاصها وفق عوامل مركّبة عديدة.
ومن عزيز، الذي يصغر أخاه بحوالي ربع قرن، ستنشأ سلالة تراوح بين الافتخار باسم «العيلة» وبين ضعف عائداته العملية، مما يجعلهم تماماً في محل «المضروب بحجرة كبيرة»، ولا سيما عند أكثرية ساحقة من السوريين لا يعرفون تفاوت السلالتين، وهو الأمر الذي يحرصون، هم أنفسهم، على إبقائه في دائرة الغموض، أملاً في تحصيل مكاسب مادية أو معنوية من الاستثمار في الكنية، كما حدث في أحيان كثيرة.
لا يعني هذا أن أي فرد من ذرية علي أهم حكماً من ابن عمه في ذرية عزيز، إذ تلعب الإمكانات الفردية والتقرب من الغصن الذهبي دورها في تقديم هذا وتأخر ذاك، لكن انقسام العائلة إلى درجتين هو الحال العام.
تُركوا لمصيرهم يكابدون أعباء الكنية ويناورون على الانتفاع منها، وفق مهارة كل منهم والطريق الخاص الذي يشقه بإرادته الحرة
بين ذرية عزيز قد يكون ولده بديع هو الأقل أهمية. المعلومات عنه قليلة، وتكاد تقتصر على أنه مساعد أول، قيل إنه افتتح مقصفاً للحفلات على الطريق إلى القرداحة، تزوج من عدة نساء أنجبن أكثر من دزينة من الأولاد، ذكوراً وإناثاً، الذين تُركوا لمصيرهم يكابدون أعباء الكنية ويناورون على الانتفاع منها، وفق مهارة كل منهم والطريق الخاص الذي يشقه بإرادته الحرة، اعتباراً من أكبرهم، تقريباً، «الدكتور» عمار، الذي كانت سنوات الثورة فرصة ذهبية له للصعود، منذ رئاسة فرع نقابة المهندسين باللاذقية ودعم الدفاع الوطني الناشئ فيها وحتى عضوية «مجلس الشعب» لأكثر من دورة؛ وصولاً إلى أصغرهم، تقريباً، نمير، الذي كاد أن يتخّ في الحبس منذ شكّل عصابة قامت بالسطو المسلح على شركة الهرم للحوالات بدمشق، عام 2005، ثم تصدّر عدة استعصاءات في مواقع الاحتجاز التي تنقل بينها حتى استقر أخيراً في سجن السويداء.
من بنات بديع سيشتهر بين السوريون اسم منال، وكانت مطلّقة حين استطاعت مجموعة أسمت نفسها «قراصنة الثورة السورية» اختراق حسابها على فيسبوك، عام 2015، لتكتشف، ثم تنشر، مراسلة حميمة جرت بينها وبين الممثل الموالي المتطرف للنظام، بشار إسماعيل، الذي أسهم اسمه في تضاعف شهرة القصة مما شكل إحراجاً للطرفين، توارت بعده منال إلى درجة تغيير اسمها رسمياً إلى رتاج. وهو الأمر الذي لم يكن سيظهر للعلن لولا جريمة شنيعة جرت في الساعات الأولى من يوم الجمعة الماضي.
فقد استيقظت القرداحة على نبأ مقتل ابنتي منال؛ هبة (24 عاماً) ونور (14 عاماً)، وإصابة ابنها حسن، أولاد العقيد فايز جبور. تناقل السكان الخبر وتداولته صفحات الفيسبوك المحلية دون إيضاحات شافية، مما فتح الباب لتأويلات عديدة ستستقر، بعد ساعات، على أن خطيب الكبرى أقدم على ما فعل بعدما أنهت العلاقة بينهما.
لم يكن هذا كافياً، في الحقيقة، ولا سيما مع تعتيم مقصود على ذكر اسم القاتل العاشق. وكان ظهور اسم رتاج، الذي لا يعرفه الأهالي، في ورقة النعي، أبسط الالتباسات التي احتفّت بهذه الحادثة.
كانت الخطوبة قد جرت «برعاية» أم غياث، سميرة زيود، الزوجة الأولى لبديع. جدة هبة لأمها، وعمة وئام، الخطيب الذي جرى التكتم على اسمه لحصره في إطار المجرم المحض، قبل أن تتدافع المعلومات معجونة بالغضب، لتكشف أنه ضابط في سلك الشرطة، وهو ما بدا أنه الدافع الرسمي للإخفاء.
ولد وئام زيود في بلدة عين الكروم بمنطقة الغاب في ريف حماة عام 1990. كان في مطلع حياته الجامعية حين اندلعت الثورة، طالباً في كلية الحقوق بجامعة حلب التي ستشهد احتجاجات واسعة معروفة. ستمر عليه السنوات التالية مضطربة بين الحذر عند السفر إلى هذه المدينة وتقديم الامتحانات وبين العودة إلى الضيعة وحمل السلاح ضد المحيط الثائر، حتى بلغ سدرة التخرج وألقى بنفسه في خضم هدفه، متطوعاً في الدورة 38 لضباط الشرطة، ليتخرج في صيف 2016.
وكان في قوات حفظ النظام بطرطوس، برتبة ملازم أول، عندما تداول مع عمته العجوز أمر الخطوبة التي ستقدّم له، غير الشابة الجميلة، دعماً سينقله، منذ أشهر قليلة، إلى موقع أهم في السلك، هو فرع سجن حماة.
غير أن هذا لم يكن مجاناً.
يقول أبناء عين الكروم وما حولها، بعد أن طالتهم الشتائم المقذعة لأهل القرداحة، أن «ابنهم» لم يرتكب فعلته المريعة إلا بعد أن تعرض لابتزاز نفسي متواتر من «بيت حماه»، تداخلت فيه الجوانب العائلية والشخصية مع التلويح بإعاقة مسيرة صعود الضابط الشاب الذي كان قد اعتاد مظاهر القوة وأحبها، مغادراً لقب أبو عصام، المستمد من اسم أبيه، لصالح تحوله إلى أبو ريبال!
أما القرداحيون فلم ينافحوا مستندين إلى هول الجريمة فقط، وهو مما لا نقاش فيه، وإنما بالارتكاز ضمناً إلى عنجهية جبلية وهوية مناطقية خاصة أدمنت التكبر على علويي السهول، فكيف إذا كان المعنيّ قد طال ميزة الارتباط بصبية قردحلية تمتّ لبيت الأسد بصلة نسب، فأقدم على قتلها وإطلاق النار على أسرتها!
على أي حال، لم يتمكن مجرم ساعة الغفلة من الفرار لأكثر من يومين، تعاون خلالهما الأقارب اللصيقون الغاضبون للفتاتين مع «الجهات المختصة»، ليلقوا القبض عليه وينشروا صوره الأمامية والجانبية، التي طالما تدرّب على التقاطها كضابط شرطة، لتبرّد شيئاً من حدة الحنق الدموي الضاري الذي يطالب بإعدامه «بنص القرداحة».