قال الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، “إذا غضّ المجتمع الدولي، الطرفَ عن نتائج صمته العميق تجاه مذبحة سربرنيتسا بالبوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي، فإنّ العالم سيستمر في مشاهدة مجازر مماثلة في سوريا”.
جاء ذلك في مقالة للمسؤول التركي، حملت عنوان “من سربرنيتسا إلى سوريا، دورس وعبر لم تُؤخذ”، نشرتها صحيفة “ديلي صباح” باللغة الإنكليزية، اليوم الخميس، أوضح فيها أنّ مذبحة سربرنيتسا التي وقعت شمالي البوسنة، أمام أنظار الأمم المتحدة، قبل 21 عاماً، لا تختلف عن المجزرة (الهلولوكوست) التي ارتكبها النازيون بحق يهود أوروبا، خلال الحرب العالمية الثانية”.
واعتبر قالن، أنّ ما يحدث في سوريا حالياً، “يعدّ مأساة بشرية”، مضيفاً أن “صمت المجتمع الدولي، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وسائر دول العالم على هذه الأحداث، يعتبر بمثابة ترخيص لاستمرار المجازر التي تحدث في هذا البلد”.
وبيّن أن “القاسم المشترك بين مجزرة سربرنيتسا، وما يحدث في سوريا، هو الفشل الذي اشترك فيه المجتمع الدولي في وقف المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان”، بحسب تعبيره.
وعن تفاصيل مجزرة سربرنيتسا كتب متحدث الرئاسة “في يوليو/تموز عام 1995، قام جنود صرب بأمر من الضابط، راتكو ملاديتش، بإبعاد النساء البوسنيات عن أطفالهن وأزواجهن، وتمّ اقتياد العائلات إلى مناطق آمنة حددتها الأمم المتحدة، وأعطوا لهم ضمانات بأنهم سيبقون في أمان بتلك المناطق، وكانت منطقتي غورادز وزيبا، شمالي البوسنة، من بين المناطق الآمنة الثلاث المعلنة من قِبل المنظمة الأممية التي صدّقت آنذاك أكاذيب الصرب بخصوص الدعوة إلى السلام، مع العلم أنّ الزعيم الصربي السابق، رادوفان كاراديتش، كان قد كشف عن نواياه، الرامية إلى تنفيذ عملية تطهير عرقي ضدّ المسلمين في تلك المناطق”.
وتابع في سرد الوقائع التاريخية للمجزرة قائلاً: “عندما لجأت العائلات البوسنية إلى سربرنيتسا، وعدهم الجنرال الفرنسي، فيليب موريون، بأنهم لن يسمحوا لأحدٍ بالمساس بهم وأنهم تحت حماية الأمم المتحدة، في الوقت نفسه كان كاراديتش، يتحدث في البرلمان الصربي، ويؤكد أن الدماء ستسيل للركب، عندما يصل جيشه إلى سربرنيتسا، وبالفعل نفذ ما قال”.
وتابع “وبينما كان رئيس الوزراء الصربي آنذاك، سلوبودان ميلوسفيتش، يعقد لقاءات مع مسؤولين أوروبيين وأمريكيين، كان جيش بلاده، يتقدم خطوة تلوة الأخرى باتجاه شرقي البوسنة بهدف إبادة المسلمين فيها، وتُرك آلاف منهم في باقي مناطق البلاد يتعرضون لقصف المدافع الصربية”.
وأشار أنّ “الجميع في تلك الفترة كانوا على علمٍ بأنّ جهازين على الأقل من أجهزة الاستخبارات التابعة للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، كانوا على دراية بخطة الصرب الرامية لقتل كل المحاصرين في المناطق الآمنة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة، من قبل”.
وأفاد قالن أن “قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والقوة الهولندية، المكلفة بحماية المدنيين في سربرينيتسا، وقفت متفرجة أمام إرسال الصرب 8 آلاف رجل وفتى إلى حقول الموت، مضيفًا “والنتيجة التي أسفرت عنها الأحداث، هى إبادة جماعية، تقتضي عدم نسيانها من قبل أوروبا والنظام الأممي والعالم بأسره، ولا شك أن هذه واحدة من أكثر الصفحات ظلامًا في تاريخ أوروبا الحديث”.
ومضى بالقول “هل استخلصنا الدروس والعبر اللازمة من مذبحة سربيرنيتسا وحرب البوسنة ؟ هذا السؤال لا قبل لنا بالرد عليه إيجابيا، حال نظرنا إلى القتال والمذابح التي وقعت منذ ذلك التاريخ. هل وقف مرتكبو هذه الجرائم البشعة أمام العدالة؟ الإجابة عن هذا السؤال أيضًا غير مؤكدة”.
وأشار أن رئيس الوزراء الصربي السابق، ميلوسيفيتش، توفي في السجن عام 2006، وأدانت المحكمة الجنائية الدولية (في مدينة لاهاي الهولندية) كارادجيتش بارتكاب المذبحة، بينما ينتظر الضابط، ملاديتش قرار المحكمة، بعد القبض عليه عقب فراره 14 عامًا، مستطردًا: “ربما تحققت العدالة، لكن الدرس الأخلاقي والسياسي الواجب استخلاصه من مذبحة سربرينيتسا، هو منع ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة”.
مذابح شبيهة في سوريا
وأوضح قالن أن “مذابح مشابهة لما حدث في سربرينيتسا، ارتُكبت مجددًا في سوريا بعد عشرين عامًا، وأن نظام الأسد انتهك جميع المواثيق الدولية وارتكب جرائم حرب، وأخرى ضد الإنسانية بقتله الآلاف من شعبه”.
وذكر أن “النظام الدولي، الذي يتوجب عليه حماية المدنيين، يتخذ موقفًا لا مباليًا إزاء آلام الشعب السوري وإبادته الجماعية، في سبيل تحقيق السياسة الواقعية والتوازن الاستراتيجي. جميع المؤسسات الدولية، من الأمم المتحدة حتى الناتو، تكرر نفس الأخطاء التي وقعت في المذابح بالبوسنة”.
وأشار إلى أنه بينما تستمر المفاوضات والمبادرات “اللا منتهية” من أجل إعداد سيناريو لوضع حد للحرب السورية، فإن “الحقيقة في أرض المعركة”، تشير إلى أن هناك شعب يُباد وبلد يُدمر.
كما لفت قالن، أن “وزير خارجية البوسنة والهرسك الأسبق، محمد ساجر بيه، وممثل المعارضة السورية الخاص في الولايات المتحدة والأمم المتحدة، نجيب غضبيان، قالا العام الماضي بوجود تشابه بين حربي البوسنة وسوريا، ودفعا بأن إنشاء منطقة حظر طيران فوق سوريا من شأنه إنقاذ حياة الكثيرين والمساعدة في إنهاء النزاع الائم منذ أكثر من سنوات”.
وأوضح قالن أن “ساجر بيه، وغضبيان، قالا في حينها، إن التدخل في البوسنة أدى لإنقاذ أرواح كثيرين، وقلل من التطرف، وأدى في النهاية إلى إنهاء النزاع، وأعربا عن اعتقادهما بأن التدخل في سوريا عن طريق إنشاء منطقة حظر طيران، سينجم عنه فائدة مماثلة، عبر وقف البراميل المتفجرة التي يستخدمها الأسد، والتي تقتل العدد الأكبر من المدنيين”.
وتعليقا على ذلك يقول قالن “إن من يسمع هذا الكلام ترد إلى ذهنه مباشرة الوقائع المظلمة لما حدث في المناطق الآمنة شرقي البوسنة، إلا أن عدم فعل أي شيء، وتكرار عملية ثبت أنها فارغة ومكلفة في سوريا، ليس حلا، كان من الممكن إنقاذ أرواح أكثر من 8 آلاف شخص في سربرنيتسا، وكثيريين غيرهم في أنحاء البوسنة، لو أن النظام الدولي تصرف بشكل مختلف في تسعينات القرن الماضي. تظهر في سوريا الآن مأساة مماثلة. كم من الناس لابد أن يموتوا قبل أن نقول بضمير مرتاح أننا تعلمنا درسا أو اثنين من سربرنيتسا بعد مرور عقدين من الزمن؟”.
تجدر الإشارة أن القوات الصربية، ارتكبت العديد من المجازر بحق مسلمين، خلال ما عرف بفترة حرب البوسنة، التي بدأت عام 1992، وانتهت 1995 بعد توقيع اتفاقية دايتون، وتسببت في إبادة أكثر من 300 ألف شخص، باعتراف الأمم المتحدة.
كما دخلت القوات الصربية، بقيادة ملاديتش، سربرنيتسا في 11 تموز/يوليو 1995، بعد إعلانها منطقة آمنة من قبل الأمم المتحدة، وارتكبت خلال عدة أيام، مجزرة جماعية راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف بوسني، تراوحت أعمارهم بين 7 إلى 70 عامًا.
الأناضول للأنباء