بعد خمس سنوات من الهدوء التام المقترن بالتناغم والتفاهم في المواقف العسكرية بين قوات النظام, ووحدات حماية الشعب الكردية والفصائل المتحالفة معها, تبرز اليوم أخبار الاشتباكات المفاجئة التي اندلعت بين قوات النظام من جهة والفصائل الكردية من جهة أخرى, ولاسيما في مدينة الحسكة السورية التي تُعتَبَر بمثابة العاصمة الإدارية لمنطقة “الجزيرة السورية” ذات النسيج الاجتماعي المتنوع عرقيا ودينيا.
ولكن السؤال الأبرز الذي يطرحه المحللون السياسيون والعسكريون المهتمون بمجريات الأحداث على الساحة السورية.
ما هي الدلالات السياسية والعسكرية لهذه الأحداث التي تجري على أرض مدينة الحسكة اليوم, ولماذا حدثت في هذا التوقيت تحديدا؟!, ومن هي الجهة المستفيدة منها؟!.
تجمع بعض الآراء حول إمكانية اتخاذ قرار منفرد من قبل الإدارة الذاتية للمناطق الكردية في سورية بالقيام بهجمة مفاجئة ضد قوات النظام لطرده من مدينة الحسكة ومن عموم منطقة الجزيرة, لكي تتمكن تلك الإدارة من فرض هيمنتها التامة في مناطق نفوذها لضمان عدم وجود أي طرف آخر لا تَأمن تلك الإدارة مكره في المستقبل في حال حدوث تسويات سياسية دولية تجعل منها ضحية لمشاريع الدول على الأرض فيما بعد.
وهناك من يشير إلى اتساع هوة التفاهم الحاصلة بين الدول الفاعلة في الملف السوري, ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم وبشكل واضح تلك القوات الكردية الانفصالية من جهة, وروسيا الاتحادية من جهة أخرى, والتي باتت تسعى لتشكيل حلف شرقي واضح تشمل كلا من النظام السوري وإيران والصين وكوريا الشمالية وربما تركيا في المستقبل, رغم أن الفرضية التي تتنبأ بانضمام تركيا بشكل رسمي لهذا الحلف قد تبدو غير موضوعية وغير منطقية, على الأقل ضمن الفترة الحالية.
وهذا ما يفسره الصمت الروسي حيال عمليات القصف الجوي التي قامت بها قوات النظام وطالت العديد من المواقع التابعة لما يعرف بقوات “الأسايش” الكردية المسيطرة على أجزاء واسعة من مدينة الحسكة, وأيضا بالطرف المقابل خروج الولايات المتحدة الأمريكية عن صمتها, بتوجيه رسالة تحذيرية لقوات النظام تدعوها إلى التوقف عن استهداف “شركائها” في مدينة الحسكة.
أما الجزء الأكبر من الآراء والتحليلات السياسية فقد ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك, من خلال التركيز على اللعبة الخطيرة التي بدأت خيوطها تلوح بالأفق, وهي لعبة التقسيم, حيث يقوم النظام السوري بمهمة فتح معركة محدودة الأمد في منطقة الجزيرة ضد القوات الكردية, تنتهي في نهاية المطاف بالفشل والانسحاب منها, كي يتسنى لتلك المليشيات المدعومة من الخارج ببسط نفوذها على كامل أراضي المنطقة الشرقية من نهر الفرات, لتكون بمثابة النواة الصلبة لذلك “الكانتون” الكردي المستقبلي الذي تسعى العديد من الأطراف الدولية لإقامته على الأرض السورية كبداية لما يعرف بمرحلة تقسيم سورية.
فيما ستضمن تلك الأطراف المتحكمة بالملف السوري, عدم امتداد مناطق نفوذ تلك الإدارة الكردية الانفصالية إلى منطقة غربي الفرات وذلك إرضاء لتركيا الحليف الجديد لروسيا.
إذن حليف الأمس هو عدو اليوم, في كل يوم نفاجئ بمرحلة جديدة من التحالفات والتفاهمات السياسية العسكرية التي تُترجم مباشرة على الأرض السورية.
ويبدو أن تلك التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء التركي “بن علي يلدرم” والتي تعبِّر عن رغبة تركيا بفرض تسوية سياسية في سورية يكون رئيس النظام السوري بشار الأسد جزءً من المرحلة الانتقالية فيها, يبدو أنها قد بدأت تلقى بعض الآذان الصاغية عند العديد من المسؤولين في هرم سلطة النظام في سورية, لذلك قامت قوات النظام بتوجيه ضربة عسكرية ضد قوات ال”pyd” والتي وصفتها الإدارة العسكرية لقوات النظام بأنها منظمة “إرهابية” تابعة لحزب العمال الكردستاني في خطوة متماشية مع الرغبة التركية ومعبرة عن الموافقة المبطنة على الاقتراح التركي من أجل التعاون المستقبلي على إيجاد حل سياسي ولكنه يضمن المصالح العليا لكل من النظام السوري والحكومة التركية ضمن إطار المباركة الروسية لتقارب مصالح الطرفين السوري والتركي.
واليوم تحديدا, تبدو تلك الأطراف الإقليمية والدولية هي المعنية مباشرة بنتائج الحرب الدائرة على الأرض السورية, أما الشعب السوري المطالب بنيل حقوقه في الحرية, فقد تذهب حقوقه أدراج الرياح, لأن المصلحة الوطنية السورية كما يراها الشعب السوري الثائر, تبدو اليوم أبعد ما يمكن عن سلَّم أولويات الدول الفاعلة والمؤثرة بمجريات الحرب على الأرض السورية على حساب مصالحها بتنفيذ ما يعرف “بخطة حرب الوكالات ومشاريع الدول في قلب الشرق الأوسط”.
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود.