تعد الحوادث المرورية من أكثر الظواهر المنتشرة في كل دول العالم, وتختلف نسبة وأعدادها اليومية من دولة لأخرى, ففي الدول المتقدمة والمتطورة والتي تصنف من الدول ذات المستوى الأعلى على صعيد رفاهية شعوبها, نلاحظ أنها تمتلك أعدادا كبيرة من العربات والمركبات والسيارات وخصوصا تلك الدول الرائدة في مجال تصنيعها, كالعديد من الدول الأوروبية والآسيوية إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من الأعداد الهائلة للسيارات فيها, نلاحظ أن نسبة الحوادث المرورية فيها تقل عن الكثير من النسب التي تحدث في دول العالم الثالث, وتكون أعداد السيارات والمركبات فيها أقل من تلك الدول المصنعة والمتطورة!, حيث أن نسبة الحوادث المرورية فيها مرتفعة, وهذا يعود إلى أسباب عديدة ومن أهمها ضعف تخطيط شبكات المواصلات داخل المدن وخارجها, والقصور الواضح في عملية تنظيم حركة السير والمرور داخل مراكز المدن, والابتعاد عن تطبيق الأساليب الحديثة والتقنية والتكنولوجية في ضبط عملية عشوائية المرور التي تخلق في كثيرا من حالاتها حالات فوضى يصعب ضبطها, والشيء الأهم من كل ما ذكرناه, هي غياب ثقافة القيادة للمركبات والآليات والدراجات لدى العديد من الأوساط الشعبية في هذه الدول.
وبالعودة إلى سورية, وإلى واقع المدن المحررة تحديدا, ونتيجة لظروف النزوح الجماعي للكثير من العائلات وانتقالهم للعيش من مدنهم الأصلية إلى مدن وبلدات سورية أخرى, نجد أن ظاهرة الازدحام السكاني باتت من أهم الظواهر الملاحظة في الفترة الاخيرة, وقد ترتب عليها العديد من المشكلات, وجاءت مشكلة الاختناقات المرورية في مقدمتها.
ففي مدينة “الدانا” مثلا, والتي تعتبر مركز ناحية في ريف إدلب الشمالي, يبلغ عدد سكان المدينة الأصليين حوالي ثلاثين ألف نسمة وفقا لتقديرات عام 2010م, إلّا أن الأرقام الحالية تشير إلى أن المدينة تحوي أكثر من 120 ألف نسمة, بعد أن استقبلت أعدادا كبيرة من النازحين القادمين من العديد من المناطق السورية الأخرى هربا من بطش النظام, وهمجية القصف لطائراته ومدفعيته, ومن يسير ليلا أو نهارا في شوارعها يلاحظ ازدحاما مروريا كبيرا يحاكي لدرجة كبيرة ذلك الازدحام الذي كنا نلاحظه في العديد من أحياء مدينة حلب قبل تاريخ اندلاع الثورة السورية في آذار من العام 2011 م.
واقع الازدحام المروري في مدينة الدانا ليس حكرا على المدينة وحدها, إنما يمكن إسقاطه على العديد من مراكز المدن المنتشرة في ريف إدلب تحديدا.
المشكلة لا تكمن في أنها ازدحام واختناق مروري فحسب, وإنما هي مشكلة ذات بعد أعمق من ذلك لكونها باتت تأخذ طابع الفوضى المرورية العارمة كما يقول محمد عبد الرزاق وهو مدرس لمادة التربية الدينية في إحدى القرى المجاورة لمدينة “الدانا”:
“نحن نعاني اليوم من عشوائية مرورية كبيرة, بل أكثر من ذلك, لا أحد يتقيد بأدنى درجات مراعاة قواعد السلامة المرورية, وأطفال صغار يقودون سيارات و أحيانا جررات ومركبات ضخمة بحجة العمل, وإن أحدا منهم لا يمتلك وثيقة قيادة تخوله السير بمركبته في الطرقات العامة والشوارع داخل المدن والبلدات, عدا عن كل ذلك, لمسنا في الثلاث سنوات الماضية ارتفاعا كبيرا لعدد الدراجات النارية التي يقودها أيضا صبية طائشون, وكثيرا ما وقعت العديد من حالات الحوادث الطرقية جرّاء استخدام هذه الدراجات تحديدا!!…… فمن المسؤول عنها؟!”
إذا تُجمِع العديد من الآراء, على أن ظاهرة الحوادث المرورية في المناطق المحررة هي ظاهرة قاتلة وتكاد تصبح يومية, كظاهرة القصف العشوائي التي اعتاد عليها الناس, لذلك تتعالى الأصوات بإنشاء إدارة مرور مركزية, تشرف على إعادة ضبط الحركة المرورية في كل ربوع المحافظة, بل وأن تلجأ إلى اتخاذ قرارات صارمة بحق مرتكبي جرائم الدهس عمدا أو بغير قصد.
وبين الفينة والأخرى ينتشر هنا وهناك نبأ تشكيل قيادة الشرطة الطرقية العامة, إلا أنها إما تكون عادة قيادة على “الورق”, أو سرعان ما تفشل وتحل نفسها, أو يتم إفشالها بصورة أو بأخرى, لذلك يشدد المواطن “ياسين” ابن مدينة إدلب على الاستمرار في بعض التجارب المحلية ضمن هذا السياق بهدف إنجاحها وتعميمها:” لاحظنا في الآونة الأخيرة, قيام بعض الفصائل بتوجيه بعض عناصرها إلى العمل كشرطة مرور داخل مراكز المدن والبلدات, وهذه خطوة جيدة, إلّا أنها لا تكفي, بل يجب تعزيزها بالزج بعدد أكبر من عناصر شرطة المرور المدربين من القدامى المنشقين, أو من العناصر الجدد المتطوعين بعد إخضاعهم لدورة مرورية متكاملة, وأعتقد أن الأهم من كل هذا هو منحهم صلاحية تامة باتخاذ الإجراءات بحق المخالفين, بل ويجب حمايتهم, فنحن لا نريد أن نرى أحد الناس فوق القانون مجددا”.
التجارب في بدايتها حتى وإن لم تكن ناجحة, يجب أن تستمر, وخصوصا تجارب إعادة تفعيل تنظيم حركة المرور في المناطق السورية المحررة, صحيح أنها ليست بالأمر السهل وتحتاج إلى اتخاذ العديد من الخطوات, ولربما كانت خطوة إعادة تسجيل العربات والسيارات والدراجات و إرفاقها بلوحة رقمية “نمرة”, هي من أهم الخطوات المستقبلية التي نطمح أن نراها تدخل حيز التنفيذ في مناطقنا المحررة.
فمن هي الجهة القادرة على البدء بإعادة ضبط الحياة المرورية, وإعادة تفعيل قوانين وعقوبات السير والمخالفات؟؟؟
سؤال ينتظر الرد.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.