تحذر أنقرة من أن ما يحدث على الحدود مع اليونان “مجرد بداية”، وتطلب من دول العالم أن تستعدَّ لمشاهدة ما سيحدث غدا، حيث “ما جرى حتى اليوم ليس شيئا بالمقارنة به”.
هذا الكلام ليس صادرا عن مريض نفسي، أو عن مصنف من قبل المجتمع الدولي “مجرم حرب”، بل هو كلام مدروس تحدى فيه مسؤول تركي، هو وزير الداخلية سليمان صويلو، المجتمع الدولي.
143 ألف لاجئ، بينهم أطفال وشيوخ، ألقت بهم أنقرة على حدودها مع اليونان، مهددة على لسان وزيرها “أن الرقم سوف يرتفع بشكل كبير قريبا”.
الأطراف المعنية مشغولة بتحديد الطرف المسؤول عن الكارثة، بينما آلاف الأشخاص، بينهم نساء وأطفال، مهددة حياتهم في العراء، يواجهون طقسا باردا، ينقصهم الماء والطعام، بعد أن صادر رجال الشرطة اليونانية أموالهم وهواتفهم المحمولة، وسجلت حوادث أطلقت فيها النار على اللاجئين لإبعادهم وإرغامهم على العودة من حيث أتوا، بينما تمنعهم السلطات التركية من العودة إلى إسطنبول.
بدأت المأساة يوم 27 فبراير الماضي، في اللحظة التي أعلنت فيها الإذاعة خبر الحدود المفتوحة، ليتدفق اللاجئون على أمل الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي “الغنية”، عبر اليونان، حيث تمكّن ألفان منهم من الدخول، لكن السلطات اليونانية كانت لهم بالمرصاد، ولجأت إلى مصادرة ما يحملونه من متاع شخصي، وأجبرتهم على العودة إلى الحدود التركية.
ولم تخلُ محاولات اجتياز الحدود من مآسي، إذ أعلن مقتل لاجئ وجرح آخرين، برصاص القوات اليونانية، التي أكدت وفاة طفل، بعد غرق قارب للاجئين قبالة سواحل جزيرة ليسبوس، واستعانت قوات الأمن اليونانية بقنابل الغاز المسيل للدموع، وبقوات مكافحة الشغب، لمنعهم من اختراق الحواجز الحدودية.
وبينما يشهد العالم ما قد يتطور ليصبح أسوأ حادثة في تاريخ اللجوء، يتوجه المتنمر، رجب طيب أردوغان، اليوم إلى بروكسل، بدعوة من الاتحاد الأوروبي، سيفهم منها الزعيم المتنمر، أن العالم خضع لابتزازه.
ماذا يريد أردوغان من هذه الدراما التي أنتجها وأخرجها وكتب السيناريو لها، واختار حدود بلاده مع الاتحاد الأوروبي مسرحا لها؟ إن كان البعض يعتقد أن كل ما يريده أردوغان هو رفع قيمة المساعدات، التي يتلقاها من الاتحاد الأوروبي لاستضافة اللاجئين، فهو خاطئ حتما.
ما يريده أردوغان، من وراء المأساة التي بدأها، مجرد تمويه، يبعد من خلاله النظر إلى مغامرته في سوريا، وفي ليبيا، ويكسب مباركة الاتحاد الأوروبي، وفي أسوأ الحالات يكسب صمته وتجاهله.
حتى هذه اللحظة، تبدو لعبة الابتزاز التي بدأها أردوغان ناجحة، وبدلا من أن تتصرف دول الاتحاد الأوروبي وفق المعايير الإنسانية، التي طالما تباهت بها، خضعت لابتزاز السلطان العثماني الجديد.
وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، أعلن بوضوح، وفي تدوينة باللغة العربية، أن “حدود أوروبا ليست مفتوحة أمام اللاجئين من تركيا”. الموقف ذاته صدر عن فريدريش ميرتس، من حزب أنجيلا ميركل الذي قال “يجب إرسال إشارة واضحة للاجئين في تركيا أنه ليست هناك جدوى من القدوم إلى ألمانيا.. لا يمكننا استقبالكم هنا”.
ورغم تعبير سفراء الاتحاد عن غضبهم من “ابتزاز تركيا” الذي جاء على لسان واحد منهم بقوله “تنام مع الشيطان، وتصحو في الجحيم.. هذا هو حالنا الآن”، اقترح السفراء الأوروبيون ضخ المزيد من المال لتركيا، من أجل تجنب حصول أزمة لجوء كما وقع عام 2015.
اختارت دول الاتحاد اتخاذ موقف حازم من اللاجئين، وتوجه مسؤولون كبار منهم إلى تركيا واليونان، ومن ضمنهم رئيسة المفوضية الأوروبية، أرسولا فون دير لايين، التي أكدت أن “الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود، فرونتكس، مستعدة لمساعدة أثينا على نشر قوات على الحدود”.
النفاق بلغ أوجه بكلام المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي أكدت، رغم الانتقادات التي وجهتها لأردوغان، استمرار اتفاق الهجرة مع تركيا. مكتفية بوصف ما يحدث على الحدود من مأساة بالقول إنه من “غير المقبول أن يعبر (أردوغان) عن استيائه على حساب اللاجئين”.
لم يتوقف نفاق المستشارة الألمانية عند هذا الحد، بل أكدت أن تركيا “تضطلع بمهمة إضعاف المقاتلين الإسلاميين في سوريا”، وأنها “تحمّلت بشكل رئيسي أعباء الحرب السورية”.
هل غاب عن السيدة المستشارة، أن العالم ومن ضمنه أوروبا يدفع ثمنا لتنمّر أردوغان في سوريا؟ كيف لم تشتم رائحة المؤامرة الأردوغانية، ولم تقرأها في كلام فخرالدين ألطون، رئيس وحدة الاتصالات بالرئاسة التركية، الذي قال إن تركيا قد وجهت مواردها لمواجهة موجة لاجئين محتملة من إدلب، بدلا من توظيف طاقتها في منع اللاجئين من الذهاب إلى أوروبا.
أليست تهديدات وزير الداخلية، سليمان صويلو، الذي قال إن “المزيد من اللاجئين سوف يتمكنون من التحرك صوب الحدود بفضل حالة الطقس”، واضحة بما يكفي؟
إن كانت خدعة الرئيس التركي السورية انطلت على ميركل، فهل تنطلي عليها خدعته في ليبيا، حيث وصل عدد المجندين إلى نحو 4750 مرتزقا، أرسل بهم أردوغان من سوريا إلى طرابلس لدعم الإخوان المسلمين هناك؟
وتتحدث تقارير عن وجود مزيد من المتطوعين، يجري تدريبهم في منطقة عفرين وفي شمال شرق سوريا، يجهزون ليلقى بهم في الساحة الليبية. وتقول نفس التقارير إن الراتب الشهري للمرتزق الواحد رُفع إلى مبلغ 2000 دولار، بينما هو 300 دولار للمرتزق داخل سوريا.
ويتم اختيار معظم المرتزقة من بين أفراد الجالية التركمانية في سوريا، الذين وعدتهم أنقرة بالحصول على الجنسية التركية بعد انتهاء القتال. من المسؤول عما يحدث من مآس؟
كل من اختار أن يلتزم الصمت متجاهلا تنمر أردوغان، مسؤول عن المأساة التي تحدث على الحدود التركية – اليونانية، خاصة هؤلاء الذين عرفوا الحقيقة واختاروا، عامدين، تجاهلها.
نقلا عن صحيفة العرب