في إحدى حدائق مدينة إسطنبول التركية، يجلس أبو عبدو على مقعد خشبي، يشعر بغصة كلما استحضر صوراً من حياته السابقة في مدينة دمشق، فلم يخطر على باله أن تنقلب حياته رأساً على عقب، بعدما تعرض وعائلته للتهجير القسري من البلاد، وبات اليوم بجسده النحيل وشعره الأشيب عاجزاً عن تأمين لقمة العيش.
يقول: “بشار الأسد دمر حياتنا، على الأقل كنت في دمشق أملك منزلاً يأويني وعملاً يسد رمقي، أما اليوم فأنا عاجز تماماً في هذه البلاد الغريبة، فقد اضطررت إلى بيع منزلي ومعظم ممتلكاتي في سوريا مقابل إنقاذ ولدي الشابين وإطلاق سراحهما من سجون النظام”.
سماسرة
كانت البداية حينما تعرض الابن الأكبر للاعتقال على أحد حواجز النظام في منطقة مساكن برزة بداية العام الفائت، وبلا أي سبب سيق الشاب إلى فرع الجوية الذائع الصيت، وعلى الفور سارع الوالد للتواصل مع سماسرة محسوبين على النظام، وكله أمل في إنقاذ ابنه من آلة الموت والاعتقال، كما يقول: “عقدت صفقة مع أحد السماسرة الموثوقين، وطلب مني 6 ملايين ليرة سورية، لم أملك المال الكافي، ولم يكن أمامي من خيار، أجبرت على بيع منزلي في مساكن برزة، أمنت له المبلغ المطلوب وبما تبقى من المال قمت بشراء منزل صغير يؤويني وعائلتي في منطقة السكن الشبابي بضاحية قدسيا”.
صدمة
بعد مرور عدة شهور غمرت العائلة سعادة كبيرة، عقب الإفراج عن ابنها، و نال عبدو حريته أخيراً على الرغم من خروجه مصاباً ببعض الالتهابات الحادة، بالإضافة إلى مرض اليرقان والجرب، لكن بعد أقل من ثلاثة أشهر، اختفى ابنهم الأصغر يزن ومعه سيارة الأجرة التي يعمل عليها. بادئ الأمر اعتقدت العائلة أنه تعرض للخطف، إلى أن علمت لاحقاً أنه اقتيد إلى فرع الجوية أيضاً بعد استهدافه من قبل حواجز النظام حسب تعبير يزن، يتابع: ” أقدم عدد من عناصر النظام على محاصرتي وسيارتي، شعرت بأنني مطلوب لسبب خطير لم أعلم ما هو، دب الخوف في نفسي، شعرت بالموت يدنو مني في أقبية النظام، وعندما علمت أنني في فرع الجوية، أيقنت أنهم اعتقلوني ليحصلوا على النقود مرة أخرى”.
طرق أخرى
ولا تختلف حكاية أبو عبدو كثيراً عن حكاية أبو محمود وهو رب أسرة ووالد لطفلين، فقد خسر هو الآخر منزله في منطقة برزة نتيجة القصف الجائر لقوات النظام، ما اضطره وعائلته لاستئجار قبو بغرفة واحدة في حي مساكن برزة المجاور له، مكتفياً بالعمل على سيارة أجرة، تقيه وعائلته شر الجوع نهاية كل شهر، إلا أن عناصر أحد الحواجز العسكرية في شارع بغداد، قاموا بسلبه سيارته ومصدر رزقه الوحيد، ولم ينج الرجل من الاعتقال مدة عام كامل على أيديهم، لأنه فقط من سكان برزة البلد، وحينما تم الإفراج عنه كما يوضح فشلت معظم محاولاته باسترجاع السيارة، يتابع: “لم أكن أملك شيئاً في الحياة سوى سيارتي التي أعمل عليها، ولم أجد عملاً آخراً، إلى حد عجزت معه عن دفع إيجار المنزل حتى، فما كان مني إلا استدانة بعض المال، والتوجه برفقة عائلتي إلى إسطنبول علي أجد عملاً يطعمنا”.
يعمل أبو محمود حالياً كموزع للخبز في منطقة أكسراي بإسطنبول، ويجهد طيلة الوقت لتأمين لقمة عيش صعبة قد تسد رمق عائلته، وكل ذلك بعدما أجبره ظلم النظام على الرحيل عن بلاده.
تهجير قسري من نوع مختلف بات النظام يتبعه في الآونة الأخيرة، فهذه المرة لا وجود لباصات الخضراء أو مصالحات وهدن، فيكفي أن يقوم باعتقال أبناء عائلة واحدة أو سلب مصدر رزق وحيد حتى يحقق مبتغاه.
أورينت نت