منصة “مسارات” السورية تحصد جائزة أفضل منصة عربية في مجال التعليم ورفع الجهل

لم تتوقف نجاحات السوريين من شمالهم حتى خارج البلاد على امتداد لجوئهم في تركيا والدول العربية وصولًا إلى أوربا، ففي كل حين يتمّ تكريم طلاب متفوقين ومدرّسين ونشطاء وحقوقيين، إضافة لفرق تطوعيّة ومؤسسات خيريّة ومنصّات تعليميّة تطوعيّة، تثبت أنَّ الشعب السوري حيٌّ عامل لا ينفكّ عنه الإبداع إذا ما أُتيحت له الفرص، آخر هذه الإبداعات كان تكريم منصٍة “مسارات” السورية كأفضل منصّة على مستوى الوطن العربي في رفع الجهل ونشر التعليم، بمعايير أهمُّها احترام كرامة المتعلّم وتحقيق الاستدامة وعدم الربحية.

من جذور الريف الدمشقي نبعت رؤية “مسارات”

لم تكن منصّة “مسارات” التعليمة وليدة اللحظة، بل تدرّجت في الإنشاء عبر أربع سنوات من العمل الاستشاري والتخطيط، فيقول مؤسسها المهندس ياسر مدللة المنحدر من بلدة دوما بريف دمشق، والذي هاجر والده من سوريا منذ أحداث الثمانينات المعروفة إلى السعودية وترعرع فيها، ودرس الهندسة في جامعة السودان، أنَّه وبعد تخرُّجه من الجامعة سنة ٢٠٠٨م وانخراطه في مسننات العمل بمجال شديد القسوة والأشغال، حتى قيام الثورة وانخراطه كغيره فيها، باتت حياته بينهما وقضى سنواتٍ لا يجد ساعةً للتأمل والتركيز كما يقول.
وكتب ياسر على صفحته الشخصية عقب فوز المنصة بجائزة الأمير محمد بن فهد في السعودية ، وباحتضان من جامعة الدول العربية، ” أنه في نهاية عام ٢٠١٥ وبعد الصدمات المتتالية في الشأن السوريّ والتي رسّخت قناعة له أنَّ الجهل سبب أكثر أخطائنا، فيا الله وجدتها وجدتها، وها هي أحلام الماضي تلتقي مع واجبات الثورة ونجدة أهلنا، فقررت التوقُّف واعتزال الناس والإعداد لمشروع الـ(١٠٠سنة)كما أسميه دومًا، وعلى مدى أربع سنواتٍ تالية وأنا أعدّ العدّة لتغيير حياتي في كافة نواحيها بدءًا من العمل لأبقى حرًّا لا يتحكَّم بي أحد، وثم بتعلم الحد الأدنى مما سيحتاجه المشروع في مكوناته الأساسية، من بناء المنصّات التعليميّة و إدارة المشاريع والتسويق والتمويل الجماعي والقيادة والتحفيز وبناء فرق العمل الاحترافية والتطوُّع وثقافة الوقف وتطبيقات العمل عن بعد وحشد الجموع وغيرها”.

ويكمل ياسر ” ومع نهاية ٢٠١٩ وجدت أنّي بتّ جاهزًا للبدء، فكتبت رؤية المشروع وكان أول اسمٍ أطلقته عليه في مسودته الأولى (يسّر، مبادرة تيسير المعرفة) وكتبت أسماء أشخاص عملت معهم سابقًا، ولهم همَّة للتطوُّع أو خبرة معينة لضمّهم للمشروع، وبتكتُّمٍ شديد بدأت العمل والذهاب للمتخصّصين واستشارتهم بالجانب الذي يجيده أحدهم دون أن أخبره عن المشروع بكلّيته وبقية تفاصيله، وكان البعض يشجع وآخر يسخر وثالث يصلني بغيره وهكذا مضيت في متوالية تواصلت خلالها مع ما يقارب الـ٣٠٠ شخص من حول العالم، وانضمَّ للمشروع نخبة من الأفاضل وتصدروا له وقدَّموا كلَّ طاقتهم وجهدهم وكنت كلما وجدت قويًّا أمينًا ذا همّ وهمّة مكنّته في مكانه وانسحبت للخلف، لم يكن الطريق سهلًا بل مليئًا بالتحدّيات والحفر، الكثير من الاحباطات والانكسارات، مرّت عدّة محطّات شعرت عندها أنّ كلّ شيء ينهار و كل الأحلام والجهود تتبخّر، فهل استسلمنا؟ لا والله، مطلقًا ولم نفكر بذلك ولا للحظة، لم يكن خيار التوقف أو الاستسلام موجودًا مطلقًا. مضينا بإصرار وعزيمة حتى وصلنا للَّحظة التي تصفها الصورة، هذه الصورة لا تصف لحظة فرحنا بالجائزة فقط بل تصف مسيرة عقدين من الزمن على طريق الحلم والعهد، تلاقت مع مسيرة أحلام وعهود إخوتي وأخواتي الفاعلين في المبادرة”.

أربعُ رؤًى للمنصّة حُقّق ثلاثٌ منها ونسعى للرابعة

يقول نائب الأمين العام للشؤون الإدراية لدى مبادرة “مسارات” الأستاذ عمر حاج المقيم في الشمال السوري، إنّ المنصّة تأسست في 26 -12- 2019 بعد تداولات بين تربويين وتقنيين واستشارات مع خبراء مختصين، وبعد دراسة لاحتياجات التدريس بدأت المنصّة بالتعليم لمستوى المرحلة الإعدادية والثانوية. ويضيف عمر إنه وبعد جائحة كورونا زاد تفعيل عمل المنصّة وتعاقدوا في 25- 3- 2020 مع شركة ميكروسوف للعمل في برنامج ميكروسوفت تيمز كوسيلة للتعليم عن بعد والذي تعتمده جامعات أمريكية وأوربية. ويضيف عمر أنه بالفصل الثاني 2020 استوعب البرنامج 450 طالبًا، وبعدها بسنة زادت عدد المقاعد لـ 1500، ثم تقريبًا وصل العدد لحدود الـ4000 آلاف مقعد، وبعد أن شاهدت الشركة أن التعليم مجاني تطوعي زادوا العدد لـ 500 ألف مقعد، وبداية عام 2021 وصل للمليون ومنذ شهرين رفعوها للمليوني مقعد للطلاب. وتحوي المنصة 4 مسارات وهي التعليم المدرسي للصف التاسع ومرحلة الثانوية، والمسار الثاني للأنشطة الطلابية، والثالث مسار الإرشاد وتقوية اللغات، ومسار التعليم المهني وهو عبارة عن تنمية مهارات الطلاب الموجودين وتعليمهم وتمكنيهم للعمل ليكسبوا رزقهم. وقال عمر إن عدد المتطوعين تجاوز 145 موزعين بنسبة 30 % داخل سوريا والآخرون يعملون فيها خارج الشمال السوري، في مختلف أنحاء العالم.
وتنتشر دروس المنصّة على اليوتيوب ومنصة “ال ام اس” الخاصة بها وما يخرج عنها وقف أزلي لا يحق لأي شخص الاستفادة من المحتوى فيها وقد وصل عدد المشاهدات فيها لـ4 مليون مشاهدة، وهو رقم كبير قياسًا بالمنصات المنافسة.

كيف تم تقييم المنصة للجائزة؟

يقول المهندس ياسر مدللة في بث على صفحته من داخل أروقة الجامعة العربية التي احتضنت تكريم عدد من المنصّات العربية بمختلف المجالات، إن جائزة الأمير محمد بن فهد العالمية هي برعاية جامعة الدول العربية ومكتب الأمم المتحدة للمتطوعين والسكان، وتعد القلادة الأولى عربيًّا والثانية عالميًّا بمجال التطوع، وحصدت المنصّة عليها ضمن فئة التعليم ومكافحة الجهل، بتحكيم لجنة ضمت 15 شخصًا، وكان أعلى تقييم فيها بمجال احترام كرامة الانسان والاستدامة، وتم تقييم المنصة من قبل خبراء كل على حدة، وشهد الحفل زخمًا من كل الدول العربية. يقول مدللة إنه سيتم تأمين منح طلابية وجامعية في البرامج المعتمدة التي تساعد في التدريب المهني ، وتفعيله بالشراكة مع مؤسسات أخرى لإيصال معرفة تمكّن الطالب من العمل عن بعد وكسب الرزق بعد المسار المدرسي.

عمل يبذله أكثر من 150 متطوعًا داخل شمال سوريا وخارجها ، بجهود ضخمة وحجم تدريب كبير، يتلقّى التعليم في المنصّة آباء وأمهات، وتهدف لتحقيق رؤيتها الأربعة في نشر التعليم ورفع الجهل إلى أن يكسب المتدرب رزقه دون الاحتياج لأحد، ثم الحصول على نجاحات عالمية، وتوفير فرص التعليم للسوريين الذين يعيشون أوضاعًا صعبة اقتصادية وتعليمية سواء في الشمال السوري، أو في بلدان اللجوء الحدودية وسط سنوات التهجير وقلة موارد الحياة الكريمة.

تقرير خبري-محمد إسماعيل

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist