ورحب كيري بإعلان “النظام تهدئة” هذا، لكنه أعلن أنه يعمل مع روسيا وغيرها لتحويله إلى هدنة دائمة. وقال كيري للصحافيين خلال زيارة إلى جورجيا: “نرحب بشدة بإعلان الجيش السوري فترة من الهدوء في الاحتفال بالعيد، ونأمل كثيراً أن يتم احترامها من قبل جميع الاطراف”. وأضاف “نحاول جهدنا أن نحوّل المناقشات الحالية إلى وقف للأعمال القتالية بشكل دائم، وقابل للتنفيذ والمحاسبة”.
وسبق للنظام السوري أن أعلن عن هدن مماثلة في ما سبق، لكنها المرة الأولى التي يعلن فيها النظام تهدئة تشمل جميع مناطق البلاد. وكانت الهدنة الأبرز في سورية تلك التي أعلنتها موسكو وواشنطن في شباط/ فبراير الماضي، إلا أن قوات النظام خرقتها منذ البداية. وبعدما وصلت إلى درجة كبيرة من الهشاشة، أعلن الجانب الروسي، ما بات يُعرف بـ”نظام التهدئة”، في التاسع والعشرين من إبريل/ نيسان، وشمل حينها مناطق شمالي اللاذقية وريف دمشق، لفترات تراوحت بين 48 و72 ساعة، ثم توسعت لتشمل بقية المناطق.
وكان الإعلان عنها يصدر عادة من قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، والتي يدير منها الجيش الروسي عملياته العسكرية في سورية، وغالباً ما كان يتم ترتيبها بتنسيق روسي-أميركي، وهي دائماً لا تشمل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) ولا “جبهة النصرة”. وعلى الرغم من الانتهاكات الواسعة التي تتعرض لها تلك الهدن، إلا أن راعيي الاتفاق لم يعلنا بعد رسمياً انهيار وقف إطلاق النار الذي توصلا إليه في شباط/ فبراير الماضي.
ويرى مراقبون أن النظام السوري يحاول بهذا الإعلان تسويق نفسه كصاحب قرار مستقل في الوضع العسكري، وأنه يمكنه فرض تهدئة أو إلغاؤها في الوقت الذي يريد. ويقول المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، لـ”العربي الجديد” إن النظام أراد إعطاء انطباع أيضا بأنه يراعي الأعياد وسلامة المواطنين، لكن في الحقيقة هو يسعى من جهة أخرى إلى وقف انهيار جبهاته في حلب واللاذقية، حيث تعرض هناك لهزائم متلاحقة منذ أسابيع، وسط خلافات في المحور الداعم له والذي يضم روسيا وإيران ومليشياتها التي أرسلتها إلى سورية. ويتوقع رحال ألا يكون مصير هذه الهدنة أفضل من الهدن التي سبقتها، حتى وإنْ كان من المحتمل أن تخف وتيرة القصف الجوي من جانب طائرات النظام.
ويرى أن المغزى السياسي للإعلان يتمثل بأن النظام يريد إعطاء انطباع بأنه لا يزال يمتلك زمام المبادرة وله قرار مستقل، وذلك عقب تزايد اهتزاز صورته في الآونة الأخيرة بنظر أنصاره، وفي عيون المجتمع الدولي، بعد تعمد كل من روسيا وإيران إعطاء تلميحات وأحياناً تصريحات بأن لهما الكلمة الفصل حول ما يجري في سورية، وأن النظام مجرد تابع لأحدهما أو كليهما.
من جانبه، يقول عضو الأمانة العامة في “المجلس الوطني السوري”، عبد الرحمن الحاج، إن ما أعلنه النظام ليس سوى مجرد “دعاية ترويجية، لا قيمة لها لأنه لن يلتزم بها كما لم يلتزم في السابق بوقف قصف المدنيين”. ويضيف الحاج في حديث لـ”العربي الجديد”، أن النظام يريد أيضاً “ترك انطباع بأنه يقف مع الشعب السوري في المناسبات والأعياد، على الرغم من أنه هو نفسه من أوقع السوريين بكل هذه النكبات ويعتبر أن غالبية الشعب من الإرهابيين”، مشيراً إلى أن “رسالة النظام من إعلان التهدئة لن تغير شيئاً على الأرض، لأن القوى المؤثرة خارجية بالدرجة الأولى”.
وقد ثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حدوث 204 مجازر في سورية خلال النصف الأول من عام 2016، 33 مجزرة منها حصلت في يونيو/ حزيران الماضي. وأشارت الشبكة في تقرير صادر عنها، يوم الأربعاء، إلى أنها اعتمدت توصيف لفظ “مجزرة” على الحدث الذي يُقتل فيه خمسة أشخاص مسالمين دفعة واحدة. وفصّل التقرير حدوث 105 مجازر على يد القوات الحكومية، و66 على يد قوات يزعم أنها روسية، و15 على يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، و8 على يد فصائل المعارضة المسلحة، و5 على يد قوات التحالف الدولي، و5 مجازر على يد جهات مجهولة. ونالت محافظة حلب النصيب الأكبر من هذه المجازر بـ 61 مجزرة، تلتها إدلب بـ 33، ثم ريف دمشق بـ 27، ودير الزور بـ 28، وحمص بـ19، والرقة بـ 21، والحسكة بـ 4، وحماة بـ 4، ودرعا بـ 3، واللاذقية بـ 3، وطرطوس بـ 1.
وكانت المحافظات السورية قد شهدت خلال وقف الأعمال العدائية تراجعاً ملحوظاً وجيداً نسبياً في معدلات القتل، مقارنة مع الأشهر السابقة، لكن الخروقات لم تتوقف، وارتكبت بشكل رئيس من قبل النظام السوري، والذي أعاد مع القوات الروسية وتيرة القتل إلى ما كانت عليه قبل توقيع بيان الاتفاق.
العربي الجديد