صحيفة كريستيان ساينس مونيتور
عندما أشعلت مريم عبد القادر نفسها أمام مبنى الأمم المتحدة في طرابلس الأسبوع الماضي, قالت إن الأمر الوحيد الذي كان حاضرا في ذهنها هو إطعام أولادها الأربعة.
منذ خروجها من مدينة حمص السورية قبل عامين, عاشت مع أسرتها في منزل مهجور في طرابلس شمال لبنان. في العام الأول, تلقت أسرتها مساعدات من الأمم المتحدة, شملت 30 دولار أمريكي للفرد الواحد على شكل قسائم طعام, ولكن مع حلول الخريف توقفت تلك المساعدات.
بعد ستة أشهر دون الحصول على المساعدات, لم يعد لدى الأسرة سوى القليل لتأكله وعانى بالتالي أطفالها من حالة من الضعف والدوار المستمر.
تقول السيدة عبدالقادر من المستشفى الذي تقيم فيه في طرابلس :” لم أعد أحتمل رؤية أطفالي يتضورون جوعا أمام عيني”. لقد أحرقت 70% من جسدها, وتغطيها الكمادات من رأسها إلى أخمص قدمها. وقد تحدثت عبر الهاتف من خلال جدار زجاجي في غرفة معقمة.
لقد كانت من بين الآلاف من اللاجئين الذين توقف وصول المساعدات لهم العام الماضي بعد أن قررت وكالات الأمم المتحدة إعادة توجيه المزيد من المساعدات للاجئين الأكثر ضعفا. نتيجة لذلك توقفت مساعدات الطعام والمال عن 30% من الأسر.
تقول عبد القادر إنها زارت مكتب الأمم المتحدة 4 مرات لطلب استئناف المساعدات, ولكنها لم تصل إلى أي نتيجة. في المرة الخامسة, اشترت ما مقداره 1.25$ من البنزين في طريقها إلى المكاتب. وعندما ردها الموظفون مرة أخرى, صبت البنزين على نفسها وأشعلت النار.
وأضافت :” اعقتدت أنني سوف أغادر هذه الحياة”.
حاليا, سجلت الأمم المتحدة مليون لاجئ في لبنان, وهي مستمرة في تسجيلهم بمعدلات تزيد على لاجئ واحد في الدقيقة. هذه الدولة المتوسطية الصغيرة التي يصل عدد سكانها إلى 4 مليون نسمة قبل اندلاع الصراع السوري لديها أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة لعدد سكانها في العالم. وتقول الأمم المتحدة إن لديها 14% من الأموال التي تحتاجها لعام 2014, مما يعني وجود عجز قيمته 1.5 مليار دولار أمريكي.
تقول نينتي كيلي, ممثلة مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين في لبنان :” ما لم يحل الوضع في سوريا, يمكن أن نتوقع أن المزيد والمزيد من اللاجئين سوف يهربون إلى لبنان. ويمكن أن نتوقع أن مثل الأفعال اليائسة هذه يمكن أن تتكرر”.
وتضيف السيدة كيلي :” حالتها عبارة عن انعكاس مؤسف لعواقب الأزمة السورية واليأس الكبير الذي يشعر به اللاجئون. وهذا هو وجه الأزمة السورية”.
البارحة انتحرت لاجئة أخرى جنوب لبنان. وسائل الإعلام المحلية قالت إن الجيران ذكروا أن المرأة سورية و تبلغ من العمر 50 عاما وكانت تواجه مصاعب في التأقلم مع الحياة في لبنان.
في حين وجد آلاف اللاجئين عملا ما في لبنان, خصوصا الشباب الذكور الذين يعملون في مجال الإعمار والأعمال اليدوية الآخرى, فإن هناك آخرون عاطلون عن العمل. النساء والأطفال أصبحوا يتسولون ويبيعون الزهور والحلوى وقد أصبحوا مكونا رئيسا في شوارع بيروت.
نقص كبير في التمويل:
وقد دافعت كيلي عن قرار التقنين هذا, قائلة إنه كان ضروريا بسبب العجز الكبير في التمويل. وهذا سوف يطرح أسئلة صعبة حول الأشخاص الذين يستحقون المساعدة.
وقالت كيلي :” هل هي أسرة يعيلها شخص واحد؟ وكم عدد البالغين في الأسرة؟ وما هي قدرتهم على العمل؟ هل هناك شخص معاق؟ هذه هي أنواع معايير الضعف المتبعة”.
المساعدات الغذائية تأتي على شكل قسائم قيمتها 30 دولار أمريكي شهريا للشخص الواحد من برنامج الغذاء العالمي. عبير عطيفة, المتحدثة باسم المنظمة تقول إن هذه القيمة توفر 2100 سعرة حرارية في اليوم.
ولكن اللاجئين يقولون إن هذا المبلغ غير كاف, خصوصا وأنهم يعيشون في أكثر المراكز الحضرية كلفة في لبنان. يعيش رياض علي مع خمسة أشقاء والوالدين في شقة مسقوفة في ضاحية من ضواحي بيروت. أسرته تتلقى قسائم الطعام, ولكنه يقول إنها لا تكفي لسد حاجاتهم الأساسية. أخوه البالغ 14 عاما من العمر استطاع إيجاد عمل في مخبز, ولكن ذلك لا يوفر له سوى 20 دولارا أمريكيا آخر شهريا.
ويضيف السيد علي :” إننا لا نتلقى أية أموال لدفع الإيجار” الذي تبلغ قيمته 400 دولار شهريا, “و الطعام هنا مكلف بصورة مذهلة”.
دولار واحد في اليوم لا يكفي شيئا في لبنان, كلفة الكثير من أصناف الغذاء تقترب من كلفتها في الولايات المتحدة, وبعض المواد الغذائية أكثر كلفة حتى. في لبنان يكلف لتر الحليب حوالي 2 دولار أمريكي. وكيلو الدجاج يزيد على 7 دولار والجبنة المحلية تقترب من نفس السعر.
قسائم الطعام تنتهي سريعا وتقول السيدة عطيفة المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي إن التمويل غير مستقر.
وتضيف :”لدينا تمويل كاف حتى شهر يونيو. ولكن خلال الأزمة السورية فإن الأمور تسير بطريقة الكفاف”.