نساء جمعهم الإحباط واليأس والحنين في رحلة اللجوء المريرة لوطن غاب عنه طيف الحرية والإنسانية، بعد أن أجبرتهم ظروف الحرب في سوريا على مغادرته، تاركين فيه ذكرياتهم وأحلامهم المدمرة.
فكان لابد من نافذة أمل تخرج هؤلاء النساء المهجرات قسريا من حياة المعاناة والألم، ومن هنا ولد ملتقى حنين الثقافي، وهي فكرة جديدة وجريئة نوعا ما، حيث تأسس في 22 شباط في مدينة غازي عنتاب التركية عام 2015.
ولمؤسسة المجموعة “رجاء بنوت” تجربة سابقة في مجال الغناء الجماعي “الكورال” من خلال جمعية النهضة في دمشق، وهو عبارة عن نشاط غنائي للكورال لازال يمارس رغم الظروف الصعبة فيها.
تقول بنوت:” كان الهدف من حنين مساعدة النساء اللواتي أخرجن عنوة من بلادهم على تخطي حالة اليأس والإحباط وتخفيف معاناتهن بعد أن عاشوا حياة التشرد والحرمان “.
وتضيف بنوت:” كانت فكرة الكورال للنساء جريئة ولاقت بذلك بعض النقد في البداية، فمنهم من قال ” البلاد في حالة حرب والدماء تسفك كل يوم وأنتم تغنون!؟” لكن كل ذلك لم يكن عائقا في وجه مشروعنا بل على العكس دفعنا ذلك للمضي قدما، فالنساء تقبلن الفكرة واستجبن لها بصدر رحب، علها ترسم الفرحة والابتسامة على وجوههم التي أضناها التعب”.
أكثر من 30 امرأة انتسبن إلى الملتقى من مختلف المحافظات السورية، وكانت الأغاني التراثية السورية هي المعتمد عليه في غناء الكورال، لأنها تعبر عن حضارة سوريا وثقافتها الشعبية، والهدف منها الانتقال من الثقافة الفردية إلى العمل الجماعي لخلق حالة من التماهي والتمازج في الثقافات بين أعضاء المجموعة.
خلق هذا الملتقى حالة إنسانية جميلة، أضفت صبغة من التلاحم والألفة والمحبة بين المتدربات اللواتي عبرن عن مكنونات أنفسهن، مما أكسبهن ثقة بالنفس وحول طاقاتهن السلبية المكتسبة من الحرب إلى طاقات إيجابية تشع أملا وتفاؤلا.
ابتدأ العمل في المجموعة بتدريبات على الغناء والعلامات الموسيقية والإيقاع للأغاني التراثية المعروفة في كافة المحافظات السورية، بالإضافة إلى الغناء باللهجات المحكية من قبل المكونات السورية ذات الأصول غير العربية كالسريانية والتركمانية والكردية والأرمنية والشركسية، إلى جانب اللهجة الفلسطينية ليعبرن بذلك عن وحدة مكونات الشعب السوري و أصالته.
وللدعم النفسي والاجتماعي أثر واضح في تحسين سوية و جودة العمل في المجموعة من خلال تنويع أماكن التدريب، من الصالة المغلقة إلى الأماكن العامة كالحدائق والشوارع، مما أضفى صفة المرونة و أعطى جمالية للعمل الجماعي، وشد الناس لمشاهدة التدريب والاستمتاع بالعرض.
وأدت رحلة الهجرة وعدم الاستقرار في غازي عنتاب لانخفاض عدد المتدربات من 30 إلى 16متدربة، رغم ذلك لازال الفريق يعمل بطاقة عالية ومشجعة في محاولة لترميم النقص وتدريب النساء الجدد.
شاركت نساء حنين بإحياء العديد من المناسبات والأمسيات منها في الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، وأمسية اخرى في 17 من نيسان والتي كانت تحت عنوان” بانتظار الاستقلال الثاني نغني” أدت فيها النساء مجموعة من الاغاني التراثية الدمشقية مثل “بسوق الحميدية” و “ياسمين الشام” وغيرها.
أما النشاط الثاني في الملتقى يتمحور حول التنمية الثقافية والفكرية للمتدربات من خلال ورشات العمل، ومنها عن طاقة الإنسان وعلاقتها بالكون والاسترخاء النفسي والخروج من حالة الإحباط، وآخر ورشة عمل كانت حول صدور قرار مجلس الأمن 1325 حول حقوق النساء في الأزمات والحروب و التي قامت بإعدادها الدكتورة ملك القاسم.
“سنبقى نغني ونغني حتى يطرق النصر بابنا ويعود بنا الحنين إلى ديارنا وأهلنا في سورية الحبيبة فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل”، تلك كانت كلمات نساء حنين نساء الحرية والتفاؤل .
سماح خالد
المركز الصحفي السوري