خرجت نحو 20 دولة وهيئة دولية لتقول إن مؤتمر “فيينا” فشل في الاتفاق على مصير الأسد، فيما اتفق المجتمعون على علمانية الدولة ووحدة أراضيها، وتشكيل حكومة واسعة الصلاحية، وجديرة بالثقة إلا أن ملامح تلك الحكومة التي تعتبر أقل من هيئة الحكم الانتقالية التي وردت في اتفاق جنيف لن تشرف على المؤسستين العسكرية والأمنية ما يعني أن كثيراً من التفاصيل لم تتضح بعد.
يبدو واضحاً أن هناك رغبة في إبقاء آلية “فيينا” مفتوحةً للحوار والبحث مع الانتقال إلى مرحلة إدخال الأطراف السورية المعنية والتي لم تحضر “مولد” الاتفاق.
ملامح الفترة المقبلة ومن باب تحليل الخطاب السياسي للدول الكبرى وكذلك القوى الإقليمية، والواقع على الأرض يقول بأن الحوار حاجة يفرضها ليس انعدام الرؤية لدى جميع الأطراف فحسب، بل انعدام الثقة والخوف المتبادل خاصة بين موسكو وواشنطن، فالروس يريدون لعب دور يعزز أوراق موسكو ويدخلها على طاولة الشرق الأوسط، لكنهم يخشون أن يسعى الأميركيون لإغراقهم في مستنقع أصعب من أفغانستان، أما الأميركيون فيخشون نجاح بوتين واضطرار حلفائها في الشرق الأوسط إلى إعادة ترتيب تحالفاتهم ما يعني وضع منابع الطاقة وممراتها تحت سيطرة الخصم، وهو بالنتيجة ما سينعكس أيضاً على موقف زبائن الطاقة الأوروبيين وتحالفاتهم، فالمسألة في النهاية لا تتعلق بالأسد ولا بالشعب السوري.
يمكن القول اليوم إن إجراء اتصال بين طائرتين أميركية وروسية في سماء سوريا هو أهم حدث استراتيجي، وهذا الاتصال يحمل معنيين اثنين، الأول أن موسكو تريد شراكة واشنطن، والثاني أن واشنطن حصلت على وعد من الروس بإجراءات حقيقية لتغيير عملاني على الأرض، ويمكن فهم هذا التغيير بتصريحات لوزارة الخارجية الروسية بأن موسكو لا ترى بقاء بشار الأسد في السلطة كمسألة مبدأ، مع الإشارة إلى اتفاق روسي أميركي سعودي حول إجراءات بوشر العمل بها فيما يخص المعارضة السورية.
دلالات التغيير واحتمالاته دفع إلى السطح خلافاً كان متوقعاً بين موسكو وطهران، وهو ما تعكسه تصريحات رئيس الحرس الثوري محمد علي جعفري التي أشار فيها بأن موسكو لا تهتم ببقاء الأسد كما طهران، وقد خرج نائب وزير خارجية النظام فيصل المقداد ليتحدث عن رفض نظام الأسد لفكرة المرحلة الانتقالية، وهو ما يعني تناغماً مع طهران في خلافها مع موسكو حول الأسد، وهو بالمعنى العملي يعطّل آلية التعاون العسكري، لكنه لا يلغي وجود الإيرانيين على الأرض والروس في الجو.
التسريبات التي تحدثت عن نحو 40 شخصية “معارضة” على قائمة الروس والأميركيين باتت في شبه المؤكد مع تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بأن الأسبوع القادم سيشهد اجتماعات لتلك المعارضة، مع احتمال وجود ممثلين للنظام.
وفي جميع الأحول وبالرغم من إشارات الاستفهام التي يضعها كثير من السوريين حول بعض الأسماء المسربة كممثل للمعارضة، إلا أن الأهم هو شكل الاتفاق الدولي الإقليمي، لأن قوى المعارضة بما فيها المسلحة لا تحمل صفة تمثيلية عبر أسماء بعينها إلا بشكل محدود، وهو ما ينطبق على النظام، فكلا الطرفين ينتظر اتفاقات القوى الكبرى ودول الإقليم.
ما سيجري عام 2016 تحدد ملامحه تطورات الشهرين الأخيرين من العام الجاري، إلا أن هناك ما بات واضحاً بالخطوط العريضة وهو ما يتلخص ببعض النقاط.
أولاً: الأسد جزء من المشكلة وهي إشارة بأنه موضوع على “المقلاة” وسيتم تصنيع بديل من غير المعارضة في أسوأ الأحول لضمان إزاحته.
ثانياً: تنظيم الدولة في العراق والشام، وجبهة النصرة، وعدد من الفصائل التي تعارض مبدأ علمانية الدولة وتشكل هاجساً لمختلف الأطراف ستكون هدفاً عسكرياً لتحالف بمظلة أوسع وربما بتدخل بريّ، ولإرضاء جميع الأطراف مع أهمية إدخال تركيا في هذا التحالف يرجح أن تكون فصائل كردية ومنها (بي . كا . كا) ضمن القائمة.
ثالثاً: تراجع حظوظ الأسد وإيران وبعض الأكراد وحتى إسرائيل بتمرير مخطط التقسيم، مع بقاء حدود الأمر الواقع التي يفرضها تنظيم الدولة في مناطق شمال شرق ووسط شرق سوريا.
رابعاً: فرض تشكيل حكومة انتقالية واسعة الصلاحيات، واستحداث صيغة للحفاظ على المؤسستين العسكرية والأمنية بالاعتماد على شخصيات تلقى قبولاً دولياً رغم اعتراضات بعض قوى المعارضة التي ستتلاشى لاحقاً على اعتبار أن تلك الخيارات تبقى في إطار المؤقت لحين وضع صيغة نهائية لدستور يفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية.
خامساً: توكيل العمليات العسكرية على الأرض ضد المجموعات المتطرفة لجيش سوري نواته قسم من جيش “النظام” والجيش الحر، واستعادة الصيغة الوطنية للحرب على الإرهاب بموازاة عمل التحالف الدولي.
سادساً: حدوث تغييرات في التوازنات الإقليمية، وتغييرات في المشهد السياسي يفرضها الواقع الجديد، الأمر الذي يضعف حزب الله في لبنان، ويفتح الباب على الالتفات إلى العراق.
تبقى كل التوقعات وخطوطها رهناً لأي طارئ طالما أن هناك طرفا إقليميا يشعر بفائض القوة، وهو إيران، إذ قد تلجأ الأخيرة إلى خلط الأوراق بإشعال بؤرة جديدة للتوتر في المنطقة مع انعدام قدرتها على خلق صدمات داخل سوريا، وقد تكون البؤرة الجديدة دولة خليجية وهو ما ترجحه قراءات العارفين.
زمان الوصل