صمود مكانس القش عبر الزمن تلافياً للاندثار، نابع من صمود الشعب السوري الذي أبى أن يستسلم لمصاعب الحياة، فجدد استعماله لأدوات تعتبر من الفولكلور التراثي السوري.
حيث عادت مكانس القش لمنازل السوريين بسبب انقطاع الكهرباء عن معظم المناطق في سوريا، حتى وإن وجدت فإن الكثير من السوريين غير قادرين على شراء المكانس الكهربائية لارتفاع أسعارها.
مهنة يدوية بدائية واكبت ظهور الإنسان القديم، واستمرت لوقتنا الحالي، فقد كان الكثير من رجال ونساء القرى يجتمعون داخل منازلهم لصناعتها، لأنها متعة عمل بالنسبة لهم وتحتاج لمهارة ودقة كبيرة، لكن مع تطور الصناعة، انتشرت معامل آلية خاصة بها داخل بعض المدن السورية.
محمد طيارة صاحب ورشة مكانس قش في يلدا بريف دمشق، يتحدث في حوار سابق مع موقع الحوار عن كيفية صناعتها فيقول:” نبدأ بتحضير القش الجاف من خلال ترطيبه بالماء حتى يسهل علينا العمل به، نفرزه حسب ثخن القشة ونعومتها، فلكل قشة وظيفة محددة في جسم المكنسة تأخذ اسمها منها، هناك قش ‘الحشوة” هو أول مرحلة نحشو به قلب المكنسة، ثم نستخدم القش ‘القلاب” نقوم بقلبه وتنعيمه لصنع قبضة المكنسة، نضيف قش ‘الستارة” الذي يستر الحشوة ويغطيها من الخارج، تليها مرحلة ‘المزايرة” عبارة عن شد جسم المكنسة بين قطعتين من الخشب تسمى ‘الزيارة”، يطرق خلالها القش بمطرقة خشبية خاصة لفرد وتوزيع القش بشكل متناسق حتى تأخذ المكنسة شكلها النهائي، تبدأ بعد ذلك عملية خياطة المكنسة لشد القش بعضه مع بعض وتمتين المكنسة، بعد الانتهاء من خياطة المكنسة يتم قص نهايتها بشكل متساوي، عند الانتهاء من صنع كل المقشات توضع جميعها في غرفة التبخير طيلة الليل، تشبه غرفة الساونا، ولكننا نستخدم هنا غاز الكبريت، الذي يعطي المكنسة لوناً متجانساً، بعد عملية التبخير نقوم بفرد المكانس في الهواء الطلق تحت أشعة الشمس حتى تجف تماماً” .
أم محمد من الريف الإدلبي تقول:” مهما وجدت أدوات تنظيف حديثة لن أستخدم غير مكنسة القش، لأنني أشعر بالراحة النفسية عند استخدامها بتنظيف منزلي والساحة أمام بابه، واعتدت على مشاهدتها داخله”.
أحجامها متعددة بين الصغير والمتوسط والكبير، ” تيسر الفقيه” باحث في التراث ذكر أنواع مكانس القش لموقع Daraa بتاريخ 12 مارس 2012 فقال:” بما أنها تمتلك مكانة خاصة في نقوس أفراد حوران، فهي مصدر رزق لكثير منهم، نوع يسمى المقشة الخشنة، تستخدم للتنظيف في أرض الديار الترابية، تصنع قديماً من نبات “الأسل”، نبات شوكي ينبت على ضفاف السيول والأنهار، والنوع الآخر المكنسة الناعمة، تصنع من بقايا عيدان الذرة الحمراء أو من عيدان القصب، حيث أن هناك أنواع من القصب تكون في أعلاها قطع بأحجام صغيرة، تجمع هذه القطع وتصنع منها المكنسة الناعمة، المفيدة في كنس الغبار عن الجدران والأسطح الناعمة، و بعض عمال البناء يسخرونها لتنعيم طينة الجدران، كما يستخدمها عمال الموزاييك وعمال الدهان كفرشاة، أيضاً يوجد مقاش خاصة بفرن التنور أو الطابون، تستخدم هذه المكنسة لإبعاد الرماد وتنظيف أرضية الفرن من الرماد، والمقشة كانت تصنع كما هو معروف عند شخص يسمى صانع المقش أو المكانس”.
هكذا تعود الشعب السوري أن يقلب معادلة المعيشة الصعبة لصالحه، ففي زمن الحروب نضطر لإتمام مسيرة الوجود ولو بمعدات تعود لعهود تقليدية.
المركز الصحفي السوري ـ محار الحسن
https://www.youtube.com/watch?v=fMR5vXJrg6I&feature=youtu.be