حظيت المكالمة الهاتفية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب باهتمام كبير من قبل كثير من المحطات الفضائية والمحلليين والمتابعين والسياسيين.
هذا الاهتمام لا يأتي من فراغ وله مبرراته الكثيرة ،حيث أن تركيا وبحسب موقعها الجيوسياسي يضعها بقلب الحدث الذي تريد القيادة الامريكية الجديدة أن يكون لها دورا قياديا ومؤثرا هذه المرة.
عانت تركيا من صعوبات كثيرة وعدم تطابق في وجهات النظر مع قيادة أوباما خلال الثمان سنيين الماضية،رغم أنها حكومة الديمقراطيين وكان سقف الآمال المعلقة عليها عالياً،وخاصة عندما بدأ أوباما مرحلته الأولى بزيارة تركيا ومصر وأحاديثه عن حقوق الانسان والديمقراطية وحاجة الدول الاسلامية لهما.
اختلفت تركيا مع القيادة الأمريكية القديمة في محاور عديدة ،من أهمها الازدواجية في تعريف الارهاب ، والطريقة في محاربة المنظمات الارهابيىة ، حيث أصرت امريكا على حصر التعويل لمحاربة تنظيم داعش بالاعتماد على قوات الحماية الكردية التي تعتبرها تركيا تنظيم ارهابي وامتدادا لتنظيم ارهابي آخر. واصدمت تركيا مع معارضة أوباما لمطلبها المتكرر منذ بداية أزمة اللاجئين بإقامة منظقة عازلة وآمنة لهم ،لحمايتهم من آلة القتل ومنع تدفقهم لدول الجوار وأوربا .التقارب الامريكي الايراني وتوقيع اتفاقية السلاح النووي جاء على حساب الشعب السوري ودورتركيا أيضاً، حيث ترك المجال مفتوحا أمام التدخل الايراني الفعلي واستجلاب كل الميليشيات الارهابية من ايران والعراق وافغانستان لقتل الشعب السوري .وهذا مااعترف به الرئيس الامريكي الجديد بأن القيادة القديمة هي من انتشلت ايران من الغرق بهذا الاتفاق والسماح لها باستخدام مئة وخمسون مليارا من الدولارت كانت بأمس الحاجة لها.
التراخي الأمريكي تجاه نظام الأسد رغم استخدامه كل الاسلحة والمحرمة دولياً ،ومنع المعارضة السورية من الحصول على اسحلة مضادة للطيران ،وافشال مشروع تدريب المعارضة السورية باشتراطها إلزام المتدربين التوقيع على تعهد بعدم محاربة النظام ، والتوجه الامريكي نحو دعم قوات الحماية الكردية على حساب اضعاف الجيش الحر ، وتهئية الأرضية لقيام مكون كردي جديد لاحقا في سورية ، وهو ما يعني تقسيم سورية وبالتالي تقسيم تركيا وتهديد أمنها القومي ،وهومايعتبر بمثابة الخط الأحمر الأول ولايمكن لأنقره القبول به والسكوت عليه.
الموقف الامريكي خلال وبعد الانقلاب العسكري الفاشل في الخامس عشر من تموز الماضي جعل كثير من المواطنيين الاتراك وبعض السياسيين يعتقدون أن لامريكا دورا خلف الانقلاب ،وعدم التجاوب الامريكي بتسليم فتح الله غولن عمّق هذا الاعتقاد وزاد من فقدان الثقة بين البلدين .
وأخيرا امتعاض القيادة الامريكية من عملية درع الفرات التي جاءت بضوء أخضر من روسيا ،واصرارها على دعم قوات الحماية الكردية بدل دعم القوات التركية والجيش الحر ،مما جعل تركيا تظل وحيدة أمام معركة الباب .
لم تكن تركيا تتمنى أن ينحصر خيارها أثناء الانتخابات الامريكية بين مرين أحلاهما مر،كلينتون التي أكدت في حملتها الانتخابية بأنها ستكون استمرار لسياسة أوباما التي خذلت تركيا، والمرشح الجمهوري، الصندوق المغلق، وتصريحاته الاستفزازية أثناء حملته الانتخابية.وكان الترجيح التركي تفضيل البديل الثاني رغم التوجس من القادم ،وعدم الخوف من التغيير فلعل القيادة الجديدة تحمل افكارا جديدة مغايرة يمكن التعاون والتعايش معها .ومن هنا كانت انقرة حريصة لتأمين مكالمة هاتفية بين الرئيسين ،قبل أن تتعجل القيادة الامريكية باتخاذ أي قرارات تتعلق بمحاربة الارهاب بشكل عام والمناطق الآمنة والشأن السوري بشكل خاص .
التصريحات الامريكية بشأن المناطق الآمنة أثارت نوعا من الترقب و التوجس من عواقبها لدى أنقرة ، التي لاتريد ان تعيش من جديد سناريوا ماحصل في شمال العراق ، وهذا ما عبر عنه رئيس الجمهورية أردوغان في تصريحه اثناء جولته لزيارة عدد من الدول الافريقية ،حيث قال ان هناك تسريبات ومعلومات مزعجة تصلنا ،ونود أن يكون لنا فرصة لقاء او مكلمة لتوضيح موقفنا يجاه كثير من الامور في منطقتنا . فتركيا تخشى أن تكون هناك نوايا غير آمنة وخطط غير آمنه تجاه المناطق الآمنة .
التوجس والترقب قبل المكالمة الهاتفية تحول الى ارتياح وشعور بالتفاؤل ،والتصريحات التي جاءت بعد المكالمة حملت كثيراً من الايجابية حول كل الملفات التي تمت مناقشتها،وهي ملفات كثيرة ومهمة، وعلى رأسها محاربة الارهاب ،والمنطقة الآمنة ،والحل السلمي بسوريا،والانقلاب العسكري الفاشل وطلب اعادة زعيم التنظيم فتح الله غولن .
الارتياح التركي بعد المكالمة ووصف الرئيس أردوغان لها بكلمة واحدة وهي “سنتفاهم” مردهما الجو الايجابي الذي ساد المكالمة ،ولإصغاء الرئيس الامريكي للمقترحات التركية باهتمام ،واستفساره واستيضاحه عن كثير من الامور على أرض الواقع،والاتفاق على ارسال مدير الاستخبارات الامريكية فورا لمناقشة التفاصيل،وابداء الطرف الامريكي حرصه على تعجيل اللقاء المباشر بين الرئيسين .كما أن طول المكالمة وطرح مواضيع تحرير الرقة وتقديم تركيا خطط عسكرية جاهزة واستعداها للمشاركة مؤشر ايجابي الى امكانية التحول بالسياسة الامريكية الجديدة.
ويجب التذكير هنا بأننا نتكلم عن رئيس أغلق الهاتف بوجه رئيس وزراء دولة عندما طرح الثاني موضوع اللاجئين واختلف معه على الطريقة بالتعامل مع هذا الملف.
التصريحات الامريكية تجاه ايران ودورها المشكوك به في المنطقة ،والتسريبات عن عزم الادارة الجديدة تصنيف الحرس الثوري ضمن المنظمات الارهابية . والتقارب السعودي التركي وتصريح وزير خارجية المملكة الجبيرمن أنقرة بأن السعودية تعتبر قوات الحماية الكردية تنظيم ارهابي لا يختلف عن داعش وحزب العمال الكردستاني، يقوي من الموقف التركي ، كما أن التقارب الروسي مع تركيا والتعاون في عمليات درع الفرات ايضا يزيد من قوة تركيا وحاجة امريكا لها ويؤكد على تركيا لايمكن تجاوزها في رسم مستقبل المنطقة من جديد.
لايمكن القول أن هذه المكالمة قد استطاعت أعادة توحيد برمجة أولويات كل من البلدين ،فلا يزال الاختلاف والتباين واضحا ويحتاج لكثير من اللقاءات والخوض في التفاصيل وهذا ما استدعى وصول مدير الاستخبارات على عجل لأنقرة .
لكن يمكن القول أن هذه المكالمة كسرت حاجز التوجس والخوف واعادت لتركيا قوتها الاقليمية و المحورية من جديد …
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك
ترك برس