المصدر:العربي الجديد.
بقلم: ميشيل كيلو
صار شديد الوجوب والإلحاح، أن يُصار إلى إصلاح عاجل وشامل لبُنى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ولطرائق أدائه، ولهياكله، ولحركته ونشاطه، لكي يتحول إلى مؤسسة عمل وطني، ينصب اشتغالها وعملها، بدأبٍ وهمّة، على قضايا الشعب السوري وثورته، ومن أجل إنقاذه من الجائحة المريعة التي يتعرض لها. وصار من شديد الأهمية أن يغادر الائتلاف انقساماته المتفاقمة، والشديدة الإضرار بالقضية الوطنية السورية، وبآمال الشعب السوري ونضاله في سبيل التخلص من الاستبداد. وفيما يلي موجز مقترحات عملية ممكنة، من أجل ذلك كله. تطرح، هنا، في لحظة مفصلية من تطور المسألة السورية، إن فشل الائتلاف في ملاقاتها بفاعلية ونجاح، واجه كارثة تتربص بها وبه، لا سيما وأنه يقف على حافتها.
1- مأسسة قيادة الائتلاف بإعادة هيكلتها، ليقود أعضاء الهيئة الرئاسية مكاتب متخصصة متكاملة المهام، لديها موازنات، ويشتغل فيها موظفون متفرغون، على أن يكون كل مكتب وموظفوه مسؤولين أمام هيئة الرئاسة التي تعمل فريقاً واحداً، وهيئة الائتلاف العامة: مرجعية الجميع وصاحبة القرار الفصل في كل الأمور. لذلك، يزودها رئيس الائتلاف بتقارير نصف شهرية حول ما يستجد من أحداث ومعلومات، وما تنوي هيئة الرئاسة فعله، وتخطط له من مشاريع وتدابير وزيارات، وتواجهه الثورة من مشكلات وتنجزه من نجاحات، وتقيمه من علاقات. ومأسسة قواعده من خلال تجديد ربعها كل سنة، بالانتخاب الحر والسري والمباشر والعام، بحيث يمضي عضو الائتلاف أربعة أعوام فيه، شأنه في ذلك شأن أي عضو برلمان منتخب. إلى هذا، ومن أجل تعميم منافع مبدأ المشاركة، ستشكل الرئاسة “هيئة استشارية وطنية”، تضم مسؤولين سابقين وحاليين في المجلس الوطني والائتلاف، إلى جانب أهل خبرة وتاريخ، من اختصاصات وأدوار متنوعة، يختارهم من خارجه.
لا تكتمل مأسسة الائتلاف، ويستكمل عمل هيئاته، من دون مدونة تنظيمية/ سياسية ميثاقية، تشجع تشكيل محورين، أو تيارين داخله: حاكم ومعارض، يمارسان فيه حياة برلمانية منتظمة تضع حداً لانقساماته إلى شلل وكتل صغيرة تشل حركته، وتجعل منه مكان عمل وطني، لا دور فيه لصراعات تعطيلية، يكون ولاء محوريه للشعب والثورة، وليس لأطراف خارجية، وتتعين مواقفهما ومصالحهما بدلالة مبادئه الميثاقية التوافقية، وما ينبثق عنها من سياسات ومصالح مشتركة، يتم تطويرها بالتشاور والحوار في الهيئتين، الرئاسية والاستشارية، وعلى الصعيد الوطني العام وصعيد هيئته العامة، فتتقلص بذلك قدرة تكتلاتها على رؤية الائتلاف وعلاقاته الداخلية والخارجية في ضوء مصالحها الضيقة التي تأخذ، بالضرورة، شكلاً انقسامياً تترجمه صراعات، تستنزف الائتلاف وقدرته على الحركة ومواجهة مهامه، وتمنع الائتلافيين من أخذ مواقفهم في حاضنة ما يجمعهم من مشتركات، معطلة، وتجعلهم عاجزين عن إصلاح أحواله وتطوير وظائفه، وإنجاز العمل الوطني الذي عليهم القيام به، والخروج من دائرة خلافات تحكم قبضتها عليهم، وتحول بينهم وبين امتلاك دعم شعبي وصدقية سياسية، وتقف وراء تدهور مكانتهم وفاعليتهم الذي حوّلت الائتلاف إلى عبء ثقيل، ولا نفع فيه للشعب والثورة.
إلى ما تقدم، ستؤسس الرئاسة هيئات وطنية، تُعنى بشؤون المهجرين والمشردين، وأخرى تهتم بحقوق الإنسان، وتعمل لوقف انتهاكها ومحاسبة مرتكبيها، وثالثة تتابع ثروات السوريين المسروقة، وتعمل على استعادتها إلى صاحبها الأصلي: الشعب السوري، ورابعة تشرف على أعمال تجارية وتنموية متشعبة، تتكفل بتمويل الائتلاف، وتأمين مبالغ تعزز استقلاليته، وتخفف ضغوط الخارج عليه. هذه المؤسسات سَتُدار جميعها تحت إشراف أعضاء الائتلاف، الذين سيعملون فيها بدوام كامل، وسيقيمون حيث توجد، على أن يحضروا إلى مقر الائتلاف في الموعد الشهري لاجتماع الهيئة العامة، الذي سينتظم انعقاده الدوري، مهما كانت الظروف والعقبات، خارج فنادق النجوم.
2-التوصل إلى ميثاق وطني بموافقة جميع القوى التي أسهمت في إطلاق ودعم ثورة الحرية، وتمسكت بطابعها الديمقراطي، سياسية كانت أم مدنية أم عسكرية. وبلورة تصور جامع، بجهودها المشتركة حول الحل السياسي وسبل تحقيقه، لسد ثغرات كثيرة تقوض علاقات المكونات الوطنية المناضلة ببعضها، وتمكّن النظام، وبعض الخارج، من استغلال انعدام التواصل بينها لإضعافها وفكّ علاقاتها مع المقاومة. بعد قرابة أربعة أعوام من الثورة، من العار أن لا يكون هناك أي حوار بين أطرافها في الداخل والخارج، وأن يقتصر التخاطب بينها على الاتهامات والشتائم.
3-سيوسع الائتلاف صفوفه، لكي تضم منتسبين يمثلون، عددياً ونوعياً، مختلف مكونات الجماعة الوطنية السورية، وخصوصاً من استُبعد عن مؤسسات العمل الوطني، بذريعة انتمائه للنظام، أو تأييده له، وأنه لا جدوى من التواصل معه، أو من محاولة إقناعه بالعمل في إطار الثورة ولصالح التغيير. لقد بلغت إبادة الشعب السوري طوراً متقدماً، وتمت بأيدي السوريين أنفسهم غالباً، فليس من المعقول، أو المقبول، أن تستمر المذبحة التي يتبين، كل يوم، أن أحداً لا يفيد منها غير قبضة من المجرمين والقتلة الممسكين بالسلطة من أسرة الأسد وبطانتها، وتيار متشدد متطرف، يُشك في كونه من صنائعهم. لن تتغير فقط العلاقة مع هؤلاء الذين استبعدوا عن الثورة، أو أبعدوا أنفسهم عنها، بل سيتغير كذلك خطاب الائتلاف والجيش الحر، وستتغير طرق تعاملهما مع إخوة لنا، يعني كسبهم التعجيل في انتصار الثورة، وإنقاذ شعبنا من هلاك محتم، وحرب بلا نهاية. سنخاطب هؤلاء، فإن رفضوا لن نخسر شيئاً، وسيخسرون هم كل شيء، وان توافقوا معنا، أغلقنا باب التلاعب الدولي والسلطوي بنا، وحلنا دون تقديم حجج، يتذرع بها المجرمون لإطالة الحرب ضد شعبنا.
4-يعني قيام جيش وطني حر تأسيس جيش مهني، يضم تشكيلات محترفة، ينضوي في صفوفها المقاتلون والمقاومون، ومن يقبلون الخضوع لإمرة قياداتها، والعمل تحت إشرافها أو بالتنسيق معها. ويعني كذلك أن صفوفه ستبقى مفتوحة أمام الراغبين من جيش النظام في الانضمام إليه، والاندماج في تشكيلاته. مثل هذا الجيش يجب أن يكون قادراً على تجنيد معظم مقاتليه من الشبان، وأن تكون له قيادات، مرجعيتها ليست مدنية أو ثورية، بل رئاسة الأركان، وأن تُتبع وحداته وتشكيلاته لوزارة الدفاع، وتُقاد من رئاسة أركان، تتكون من رئيس الإدارات المختلفة وقادتها، وقادة الجبهات الذين سيكونون نواباً محليين، أو شخصيين، لرئيس الأركان.
لن يكون هناك بعد قيام الجيش أعطيات لهذا أو ذاك، أو مخصصات كيفية، تتلاعب بها الأهواء ومجريات المعارك المزعومة، أو الصحيحة، بل ستكون هناك موازنة لوزارة الدفاع التي ستعطي الجبهات مخصصات طويلة الأمد، وفق قواعد عسكرية، يمليها دورها في القتال، وما تواجهه من تحديات، ومالية تنظمها قواعد محاسبية دقيقة. ستشتري الجبهات بقسم من موازناتها السنوية ما يلزم لإدامة معاركها، وتقديم الرواتب والخدمات لمقاتليها، بما في ذلك تعويضات ورواتب تقاعدية للشهداء والجرحى. وستمتلك مؤسسات خدمية، تمتلكها عادة الجيوش المهنية من مشاف ومستوصفات ومؤسسات استهلاكية واستراحات … إلخ.
لا داعي للقول إن الموازنة العامة ستخضع لرقابة مالية مستقلة، وستصرف طبقاً لأصول محاسبية حصينة ضد الفساد والهدر والاعتباطية. أما استراتيجية الجيش القتالية، فلن تقوم، بعد الآن، على حرب المدن، بل على حرب الحركة وقطع طرق الإمداد والمواصلات، وسيكون هدفها اتخاذ كل ما هو ضروري من تدابير واستعدادات، لمنع إنزال الهزيمة بالمقاومة في مرحلة أولى، وتنمية قدرات الجيش وعديده، في الوقت نفسه، لقلب نهائي في موازين القوى ضد النظام، وبدء حملات عسكرية كبرى، تغطي معظم أراضي بلادنا في وقت واحد في مرحلة تالية، يتم خلالها تفكيك جيش النظام، والتعاون مع وحداته التي ستقلع عن مقاتلة الجيش الحر، وتبدي استعدادها للانضمام إليه.
5-سيقوم إعلام الائتلاف بحملات منظمة لكسب الرأي العام العالمي، بجهود مكاتبه في الداخل وبلدان اللجوء ولوبيات أجنبية متخصصة تعمل في الخارج، وسيستخدم انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والانتهاكات الفاضحة للمواثيق والعهود الدولية، من أجل تعرية النظام والدفاع عن ديمقراطية الثورة وحق الشعب في تقرير مصيره. وسيستعين الإعلام بالدوائر والجهات المعنية بهذه الحقوق، ليعد محاكمة شعبية دولية، تشارك فيها شخصيات رمزية، دينية ودنيوية معروفة ومحترمة عالمياً، تمهيداً لتقديم بشار الأسد إلى محكمة مجرمي الحرب في لاهاي. وسيشن الائتلاف، في الوقت نفسه، حملة منظمة، ولا هوادة فيها، لتوعية الشعب بسياساته وبرهانات الثورة الأصلية، وبمخاطر النزعات التكفيرية والمتطرفة على وحدة شعبنا ودولتنا واستقلال وسيادة وطننا.
6-سيقيم الائتلاف علاقات برلمانية منظمة وقانونية مع الحكومة المؤقتة، وسيشرف على أعمالها في المجالين الخارجي والداخلي، وسيتعامل معها بوصفها جهازاً وطنياً من الضروري أن يكون حسن الإدارة والأداء، ومرجعية تنفيذية موثوقة للسوريات والسوريين، مكلفة برعايتهم وحل مشكلاتهم، وتزويدهم بما يحتاجون إليه من عون وتعليم وعلاج وسكن، من دون أن يصرفها اهتمامها بالشؤون اليومية عن إعادة بناء الوطن، وإعداده لاستقبال السوريين في ديارهم، وإخراجهم من بؤس حالهم الراهنة في المهاجر.
7-سيولي الائتلاف اهتماماً خاصاً ومركزاً لتنظيمات المجتمع المدني المختلفة داخل الوطن وخارجه، وسيتعامل معها كطرف أصيل في الثورة، من الضروري أن يكون ممثلاً بعدالة في مؤسساته السياسية والعسكرية والإعلامية والثقافية والإغاثية، لا سيما وأن هذه التنظيمات ستقوم بمهمة على قدر استثنائي من الأهمية، هي تطوير وتنفيد أنشطة سياسية ومجتمعية وإعلامية وثقافية وإغاثية مبدعة في أماكن وجود السوريين، من شأنها تعزيز لحمة مجتمعهم، ومساعدة المهجرين والمشردين وأسر الشهداء والجرحى والمعتقلين على تجاوز مصاعبهم، والعناية بأسرهم وأطفالهم. لن يفعل الائتلاف شيئاً، من دون التعاون مع ممثلي المجتمع المدني، وأخذ مشورتهم، والإفادة من خبراتهم وقدراتهم.
8-لن ينجح الائتلاف في إنجاز هذا البرنامج، من دون إصلاحٍ يبدل دوره وبنيته وأداءه، ويقربه من الصورة التي كانت عليها منظمة التحرير الفلسطينية، سواء من حيث وحدتها وديناميتها، أم تشعب أنشطتها، أم إمساكها بقضيتها وتمسكها باستقلالية قرارها، أم مشاركة مكوناتها الجماعية في خياراتها، أم فاعليتها الاقتصادية والمالية، أم قدرتها على تعبئة شعبها المبعثر والمشتت، وتحملها المسؤولية عنه في جميع مناحي حياته، أم تمسكها بحقوقها من دون تنازل عن أي منها، أم مرونتها في استعمال أوراقها وجرأتها على الدخول في علاقات مع خصومها، لتطويعهم ووضعهم في خدمة قضيتها. وأخيراً، الانسجام بين تنوع مكوناتها والتزامها بتوافق وطني دائم، جعل معارضتها الداخلية مصدر إثراء لخطها العام الذي أقرته مجالسها الوطنية، وأداة ضغط على خصومها، مكّنتها من صياغة خط وحّدَ أطيافها المختلفة، في الدفاع عن مصالحها وأهدافها العليا، على الرغم من خلافاتها الأيديولوجية التي بقيت خاصة بكل منها.
9-في السياسة العامة، سيكون هناك تحول في سياسة الائتلاف نحو علاقات متوازنة، وقائمة على ثوابت الثورة ومطالب الشعب مع أطراف المعضلة السورية، وتحالف مع الدول العربية والأجنبية التي تعطي الأولوية لذهاب الأسد على الحرب ضد الإرهاب، وهي فرنسا وتركيا والمملكة العربية السعودية وبلدان الخليج، ما يحتم إقامة أوثق العلاقات معها، والإفادة منها للضغط على أميركا: الدولة التي أدارت أزمتنا طوال فترة ما بعد الثورة، واستخدمتنا لتصفية حساباتها مع روسيا وإيران، وانتهجت سياسات غير عادلة، أو مترددة، تجاهنا، إما بسبب سوء تقدير، أو ضعف وعزوف عن الانخراط في حرب، أو خوفاً من روسيا وإيران أو … أو … إلخ. ولو كانت صادقة في دعمها لنا، لدعمت توجهنا التحالفي الجديد، ولسعدت باستعدادنا لتخفيف أعبائها، ولخوض معركة يمكن أن تفيد منها، وإلا فإننا لن نخسر حليفاً وداعماً، لأن أميركا ليست حليفنا، وإن كان من الانتحار تحويلها إلى خصم، لأننا سنفقد عندئذ كل شيء وسنهزم شر هزيمة، وسنضع أنفسنا خارج الخطوط الحمراء التي حددتها للصراع، ويحتمل كثيراً أن تكون هزيمتنا واحداً من ممنوعاتها.
10-هل سنكون قادرين على إنجاز هذه المهمة؟ جوابي نعم، إن كنا حقاً من طينة الثوار، وأخلصنا العمل، وعرفنا كيف نجعل من أنفسنا بديلاً للنظام مقنعاً عالمياً، وأخرجنا الائتلاف من دائرة تسيطر عليها خلافاتنا وانقساماتنا إلى رحاب القضية الوطنية، التي يتوقف استمراره على نجاحه في أن يكون أداة وحاضنة لها، واقعية الحسابات قاطعة الإرادة، مصممة على نيل الحرية لشعب سورية الواحد.