تُستأنف بعد أيام المفاوضات السورية في جنيف على المستوى الفني في انتظار توافر ظروف عودة وفدي الحكومة السورية و «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة لمفاوضات سياسية في حال حصول تقدم في ملفي المساعدات الإنسانية والهدنة واختراق في المفاوضات الأميركية- الروسية حول مبادئ الحل السياسي. لكن الحكومة السورية قررت عدم إرسال ممثليها إلى جنيف لأسباب يعتقد أن لها علاقة بتركيز المفاوضات على الانتقال السياسي.
وكان فريق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، دعا ممثلي الأطراف السورية إلى مفاوضات فنية اعتباراً من الأسبوع المقبل لإجراء محادثات إضافية حول النقاط الخلافية التي لخصها المبعوث الدولي في ختام الجولة التفاوضية في 27 نيسان (أبريل) الماضي. وشكلت «الهيئة التفاوضية» فريق خبراء ضم أربعة أشخاص بينهم نصر الحريري. كما قرر رئيس «مجموعة موسكو» رئيس «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» قدري جميل وزميلة له التوجه إلى جنيف التي سيشارك في مفاوضاتها الفنية أيضاً ممثلان لـ «مجموعة القاهرة»، إضافة إلى شخصيات من «مجموعة حميميم» وحضور شخصيات سورية بينها «المجلس النسوي» والمجتمع المدني ورجال الأعمال في مرحلة لاحقة.
وعُلم أن الحكومة السورية قررت مقاطعة هذه المفاوضات. ويُعتقد أن السبب كونها ستركز على 18 نقطة حددها دي ميستورا نقاطاً تتطلب المزيد من المفاوضات بين الأطراف السورية، بينها «كيفية ممارسة الحكم للسلطة خلال المرحلة الانتقالية، بما في ذلك ما يتعلق بالرئاسة والصلاحيات التنفيذية والرقابة على المؤسسات الحكومية والأمنية» و «تحديد واختيار ترتيبات محددة وفاعلة٬ كي يتسنى لأي ترتيب من ترتيبات الحكم الانتقالي أن يمارس الإشراف والرقابة على المؤسسات الأمنية ومصالح الاستخبارات خلال المرحلة الانتقالية وتحديد المعايير اللازمة لإقامة جيش موحد ووطني ومهني ونزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة دمج المجموعات المسلحة» و «التمييز بين أولويات الإصلاح وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وهيئاتها خلال المرحلة الانتقالية والإصلاح الشامل الذي يتعين إجراؤه عملاً بالدستور الجديد»، إضافة إلى «تحديد أهم القرارات القانونية والتنفيذية التي تكفل إجراء انتخابات حرة ونزيهة والاتفاق عليها تحت إشراف الأمم المتحدة على نحو يقنع الحكم وتحديد خطة زمنية متفق عليها ومعايير الانتقال السياسي».
واستند دي ميستورا في دعوته إلى البيان الختامي للمؤتمر الوزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» الذي أقر في اجتماعه الأخير في فيينا دعم الجزء الخاص بـ «القواسم المشتركة لعملية الانتقال السياسي»، ذلك أن الأطراف بما فيها الحكومة «قبلت مبدأ الانتقال السياسي الخاضع لإشراف هيئة حكم انتقالية يتم إنشاؤها بالتوافق وتتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة لضمان استمرارية المؤسسات الحكومية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254». وحض المؤتمر السوريين على «الانخراط بشكل بناء مع المبعوث الدولي لمناقشة القضايا الأساسية للانتقال السياسي» واعتبارها «أساساً للجولة القادمة من المفاوضات السورية».
ويعتقد أن استئناف المفاوضات على المستوى الفني يرمي إلى الإبقاء على العملية التفاوضية إلى حين توافر ظروف استئنافها في شكل رسمي. ويرتبط هذا بالاتفاق على تشكيل وفد للمعارضة بعد قرار ممثل «جيش الإسلام» محمد مصطفى علوش الانسحاب من منصبه «كبيراً للمفاوضين» والدفع باتجاه تغيير رئيس الوفد العميد أسعد الزعبي لصالح وفد تفاوضي خبير بعد التحاور مع ممثلي الكتل السياسية الأخرى في مجموعتي موسكو والقاهرة.
كما طالبت «الهيئة» وحلفاؤها بتحقيق تقدم في مجال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة وتنفيذ ما جاء في بيان «المجموعة الدولية» لجهة إسقاط المساعدات جواً إذا لم تصل المساعدات براً في الأول من الشهر الجاري. وكان لافتاً أن ضباطا روساً نزلوا إلى أطراف مدينة داريا لضمان إدخال مساعدات طبية الى المدينة المحاصرة لعدم تكرار تجربة سابقة لدى منع حاجز للقوات النظامية إدخال حليب أطفال ضمن قافلة مساعدات طبية كانت الحكومة السورية وافقت عليها. وتبلغت الأمم المتحدة موافقة دمشق على إدخال مساعدات إلى مناطق محاصرة بالتزامن مع تصاعد الضغط كي يتقدم برنامج الغذاء العالمي بخطة لإسقاط المساعدات جواً.
وإذ وجه المنسق العام لـ «الهيئة» رياض حجاب رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، اقترح فيها هدنة شاملة خلال شهر رمضان، تجري مفاوضات أميركية- روسية لضمان عدم انهيار وقف العمليات القتالية الذي أنجز في نهاية شباط (فبراير) الماضي ومعاقبة من يخرق هذه الهدنة. وعلم أن مكتب ارتباط تأسس في جنيف بمشاركة ضباط رفيعي المستوى من الجانبين الأميركي والروسي للتنسيق في شأن الهدنة، لكن وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) لم توافق إلى الآن على دعوة نظيرتها الروسية للتنسيق والقيام بعمليات مشتركة ضد الفصائل التي تخرق الهدنة، حيث اقتصر التعاون على تبادل المعلومات الاستخباراتية.
وسُجل قيام طائرات أميركية بقصف مواقع شمال سورية، في مناطق تقع غرب نهر الفرات التي كانت دائماً ضمن نطاق السيطرة الجوية للجيش الروسي، الأمر الذي يمكن تفسيره على أنه بداية تنسيق أميركي- روسي، إضافة إلى توجه قوات نظامية سورية بغطاء جوي روسي باتجاه مدينة الطبقة قرب الرقة معقل «داعش» شرق النهر، المناطق التي تقع ضمن دائرة السيطرة الجوية للتحالف الدولي بقيادة أميركا.
في موازاة ذلك، تستمر المحادثات السياسية بين مبعوثي الرئيسين الأميركي باراك أوباما وفلاديمير بوتين في مدينة برن السويسرية لإنجاز تفاهمات سياسية تُعطى للأطراف السورية كي تترجم في مفاوضات جنيف بعد حصولها على دعم الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري، وسط مساع لتكثيف هذه المحادثات لحصول اختراق خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لعقد جولات تفاوضية سورية في جنيف قبل بدء الموسم الانتخابات الأميركية في منتصف أيلول (سبتمبر) المقبل.
الحياة