منذ ساعات الصباح الباكر يستيقظ “إبراهيم” من ريف إدلب (13 عاماً) من فراشه البارد وينزع عنه ما يشبه الغطاء “الحرام” وما يعلو ذاك الغطاء من معاطف صوفية قديمة تفرش عادة لتوصل غطاء النوم حتى تمتد للأقدام، وقبل أن يضع في فمه لقيمات الفطور يسرع نحو الشارع قبل أن يمتلئ بالمارين، وقبل أن يسبقه أحدهم لجمع الكراتين الفارغة من أمام المحال التجارية؛ التي تشتهر بتردد العديد من الزبائن وتكدس الكراتين الفارغة يومياً أمام أرصفتها؛ لتكون بديلاً للتدفئة من المازوت الذي ارتفع سعره مما لا يتماشى مع دخل الكثيرين
“إبراهيم” طفل من بين عشرات الأطفال الذين بات عليهم دفع ضريبة الحرب الباهظة التي فرضها عليهم الكبار بسياسة منهجية وخلفت الموت والدمار والمزيد من المعاناة لم بقي يصارع من أجل البقاء
عمد أهالي المدينة الفقيرة والمعدمة إلى حرق ثيابهم القديمة كمصدر للتدفئة، عداك عن حرق أغصان الأشجار وكل ما يتوفر من أكياس النايلون والأثاث القديم وبما فيها “الكرتون” لاستخدامها في إشعال المدافئ علّها تقي أجسادهم ذلك البرد الذي يفتك بهم
أفاد “أبو إبراهيم” عند حديثنا معه قائلاً “لم أكن راضياً عن انشغال ابني في جمع الكراتين يومياً مما يدفعه للتأخر عن مدرسته وخاصة أن تراجع التعليم بسبب المخاوف من القصف المستهدف وقلة المعدات بات ظاهرة مؤلمة.. لكن مع نقص في الطعام والشراب وغلاء أسعار عانقت السماء باتت اللقمة مغمسة بالدماء.. آه لا أملك ثمن الطعام حتى أفكر بثمن التدفئة”
كان المطر يتساقط بغزارة، حين تجمع صبية صغار أمام محل “أبي عبد الله” الرجل المتفهم لحجم المعاناة في تلك المدينة حيث كشف لنا بحديثه وهو يهزّ رأسه متحسراً لما آل له الوضع في ظل الحرب المفروضة قائلاً “شهور الشتاء في سوريا قاسية، إذ يتوجب على الجميع تأمين أي وسيلة من شأنها تخفيف قسوة البرد.. فيما يهنى العالم بفصل مفعم بالحيوية والمشاعر الدافئة”
وأضاف “أحرص على تقسيم كمية الكراتين بين الأطفال لتكون قسمة عادلة، كون بقايا “الكرتون والبلاستيك” وكل شيء قابل للاشتعال يستخدم كبديل للمازوت المرتفع السعر، من أجل تأمين نار الطهي في ظل فقدان الكهرباء وارتفاع ثمن انبوبة الغاز لتبلع أحياناً 10 آلاف.. “الدراويش” عائلات تتزايد يوماً بعد يوم.. الله يكون بالعون”
البطالة والفقر والنزوح سمة تشترك بين أهل الريف والمدينة ومع غلاء أسعار المازوت وبرد كان الأعنف منذ سنين تتعاظم الكارثة كلما اشتد
ومازال العالم مصراً على تجاهل آلام السوريين وتركهم وحدهم يواجهون، شتاء يمر عليهم كقبله من دون أمل يلوح في الأفق من شأنه وضع حد لتلك الآلام.
بيان الأحمد
المركز الصحفي السوري