مع استمرار تأزم مفاوضات سد النهضة الإثيوبي بات البحث عن بدائل النقص المتوقع في مياه نهر النيل حديث الساعة، سواء في اجتماعات الرئاسة والحكومة المصرية أو في البرلمان ووسائل الإعلام.
ويعتبر مصريون أن تكثيف النظام الحديث عن البدائل الداخلية لمواجهة أزمة نقص المياه هو في حقيقته إعلان فشل المفاوضات وتأكيد لخسارة مصر حصتها التاريخية في مياه نهر النيل، خاصة مع تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على استبعاد الخيار العسكري، والاتجاه نحو تحلية مياه البحر والمعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي، فضلا عن ترشيد استهلاك المياه باعتماد الري الحديث وتغليظ العقوبة على المسرفين، وهو ما يدفع للتساؤل بشأن مدى نجاح تلك الخطط في تعويض العجز المائي.
وأعلنت مصر والسودان تعليق مشاركتهما في الجولة الحالية لمفاوضات سد النهضة من أجل إجراء مشاورات داخلية حول الطرح الذي تقدم به الوفد الإثيوبي بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
وقالت وزارة الموارد المائية والري المصرية إن “المقترح الإثيوبي لا يتضمن إلزامية الاتفاق أو آلية قانونية لفض المنازعات”.
من جهتها، قالت وزارة الري السودانية إن “موقف إثيوبيا الأخير يثير مخاوف جديدة بشأن مسار مفاوضات سد النهضة”.
فقر مائي وخطط حكومية
تعتمد مصر بعدد سكان يناهز 104 ملايين نسمة، ومساحة نحو 10 ملايين فدان زراعي على مياه نهر النيل بنسبة 97%، وهي من أكثر البلاد جفافا فى العالم، إذ إن 94% من أراضيها صحراوية، ويتركز السكان في 5% فقط من مساحتها في وادي النيل ودلتاه، ويبلغ حجم العجز المائي 20 مليار متر مكعب وفق وزير الري والموارد المائية محمد عبد العاطي.
وفي الآونة الأخيرة لجأت الحكومة إلى رفع أسعار المياه، كما طالب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتغليظ العقوبات على الإسراف في استخدام المياه، وضرورة التوسع في استخدام الأدوات الموفرة للمياه.
وقال مدبولي خلال اجتماع حضره وزراء الري والموارد المائية والإسكان والزراعة قبل أيام إن وزارة التخطيط اعتمدت 4 مليارات جنيه بصفة مبدئية لمشروع تبطين الترع ليساهم في توفير كميات من المياه لزيادة الرقعة الزراعية.
لكن جهود الحكومة المصرية لمواجهة أزمة المياه لم تتوقف عند تلك الخطوات، إذ سبقتها خطوات أخرى، مثل التوسع فى إنشاء محطات تحلية مياه البحر، والمعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي من خلال خطة قومية للمياه بتكلفة 50 مليار دولار تستمر حتى 2037 حسب التصريحات الحكومية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019 قال مدبولي إنه خلال أقل من 3 سنوات تم تنفيذ مشروعات من الخطة بقيمة 110 مليارات جنيه، وإنه خلال أقل من عامين سيتم الانتهاء من محطات تحلية للمياه بقيمة 160 مليار جنيه تتحملها مصر، لسد الاحتياجات من المياه ومراعاة الزيادة السكانية.
وفي يناير/كانون الثاني 2018 أكد السيسي أن مصر تقوم بأكبر مشروع لتحلية مياه البحر والمعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي، مشيرا إلى أن ذلك يأتي لمواجهة “أزمة محتملة” لم يفصح عنها، مؤكدا أنه لن يسمح بوجود أزمة مياه في مصر.
لكن تلك الحلول تبدو متواضعة جدا، ولا يمكنها تعويض التدفق الطبيعي لنهر النيل على امتداد أكثر من 1500 كيلومتر، إذ إن تنفيذ وتطوير 47 محطة تحلية مياه البحر تبلغ تكلفتها 45.18 مليار جنيه (الدولار نحو 16 جنيها) لن يقدم لمصر إلا 2.44 مليون متر مكعب في اليوم فقط.
البدائل لن تروي مصر
ويقلل الأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية المصرية سابقا عبد التواب بركات من أثر تلك البدائل الصناعية في تعويض الفاقد من تدفق نهر النيل، قائلا إنه “لا بديل لنهر النيل في مصر، معظمها أراض صحراوية، وحديث الحكومة عن الترشيد في الاستهلاك أو تغليظ العقوبات لن يروي مصر”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول بركات عن محاولة إلقاء اللوم على المواطنين من خلال تغليظ العقوبة على الإسراف في المياه إنه من باب أولى أن تحاسب الحكومة نفسها، وأن تقوم بإصلاح شبكات مياه الشرب التي يهدر نصفها بسبب تهالكها، واتباع أساليب حديثة في الزراعة والري، فأساليب الري بدائية حتى الآن.
وأكد أن الحل الوحيد هو في قدرة الدولة على حماية حقوق المصريين المائية التاريخية، وجعلها على قائمة أولوياتها في كل المراحل، لأن التفريط فيها لن يغني عنها كل ما تحدثت عنه من خطوات وإجراءات كتحلية مياه البحر أو معالجة مياه الصرف أو ترشيد الاستهلاك
فاتورة الفشل
بدوره، حمل وكيل لجنة الزراعة بمجلس النواب المصري سابقا عبد الرحمن شكري النظام المصري مسؤولية تدهور الوضع المائي في مصر خلال السنوات الماضية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول شكري -وهو نقيب الفلاحين الأسبق- إن “السيسي أعلن في أكثر من مناسبة تصديه للأزمة، وكرر الحديث عن الحفاظ على حقوق مصر في مياه نهر النيل، لكنها كانت أقوالا تفتقد لأفعال حقيقية على أرض الواقع، سواء تجاه إثيوبيا أو تجاه سياسات الحكومة في ترشيد الاستهلاك، سواء في مياه الشرب أو الري”.
وفيما يتعلق بسياسات الحكومة في التصدي للأزمة، أكد شكري أنه لا توجد بدائل لمياه نهر النيل، وتحلية مياه البحر ونقلها عبر شبكات جديدة للمدن مكلفة، والمواطن هو من سيتحمل التكلفة، مؤكدا استحالة المفاضلة بين توفير مياه الشرب على حساب الري أو العكس.
ولفت إلى أن الحملة الدولية لحماية مصر والسودان من العطش -التي تم تدشينها مؤخرا- تهدف لحل الأزمة من خلال سحب السيسي توقيعه على اتفاقية المبادئ مع إثيوبيا عام 2015، والتوجه إلى المحكمة الدولية، ومجلس الأمن تحت بند الفصل السابع باعتبار أن ما تقوم به إثيوبيا جريمة ضد الإنسانية وبحق الشعب المصري.
المثير أن رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ماريام ديسالين كشف قبل أيام أن اتفاقية إعلان المبادئ التي وقعها السيسي نصت على أن الملء الأول للسد سيكون بالتوازي مع التشييد، وأن مصر أبرمت الاتفاقية وهي تعلم ذلك وموافقة عليه.
نقلا عن الجزيرة
.