على الولايات المتحدة أن تتدخل وبشكل حاسم في سوريا لحماية مصالح أمنها القومي ومصالح حلفائها. أظهرت الهجرة الجماعية الحالية للاجئين السوريين مشاكل اقتصادية وأمنية جمة لحلفاء الولايات المتحدة في أوربا والشرق الأوسط، وهي تفيد بشكل مباشر نظام الأسد وإيران وحزب الله وروسيا وجبهة النصرة التابعة للقاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام داعش. عدم التحرك الأميركي المستمر في وجه هذه التحديات الاستراتيجية سيفاقم الوضع الأمني ويقوي أعداء الولايات المتحدة ومنافسيها الاستراتيجيين.
أعلن البيت الأبيض في 30 تشرين الأول تصحيحاً صغيرا للنظرة الأميركية بإضافة أقل من 50 عنصراً من وحدات العمليات الخاصة، لتدريب وتقديم الدعم للقوات الكردية العربية في شمال سوريا، هذه التغيرات غير كافية لمواجهة التحديات الاستراتيجية، الجمود الأميركي وأنصاف الحلول ستؤدي فقط إلى تفاقم الوضع الأمني وتقوية خصوم الولايات المتحدة.
أحد سبل التحرك الأميركي في المدى القريب هو إنشاء منطقة حظر طيران فوق مناطق معينة من سوريا. قدم وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر ورئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي الجنرال جوزيف دانفورد شهادتهما حول استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أمام لجنة شؤون القوات المسلحة في مجلس الشيوخ في 27 تشرين الأول، حيث صرح كارتر أنه لا يملك أي رؤية لعمليات حظر جوي في سوريا ليقترحها، فيما صرح دانفورد أنه من الممكن تطبيق منطقة حظر طيران في سوريا، لكنه أضاء على الصعوبات القانونية والسياسية لذلك، مضيفاً أن منطقة الحظر الجوي ستحرف الموارد عن قتال داعش. وقد قيل إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري طلب البحث في هذا الخيار وسبل تنفيذه.
استعمل نظام الأسد سلاح الجو العربي السوري لقصف الأحياء المدنية بدون تمييز وبشكل متعمد، وإحداث منطقة حظر طيران فوق مناطق معينة في سوريا سيقلل بشكل واضح من قدرة نظام الأسد للقيام بهجمات واسعة النطاق ضد المناطق المدنية، لكنه سيكون أكثر صعوبة بوجود الطائرات الروسية المنخرطة في سوريا، ذلك غير مستحيل لكنه يمكن أن يكون منطقياً ومعقولاً إن حددت بعض الشروط.
هذه النظرة العامة تظهر ثلاثة مسارات عمل مختلفة لإنشاء منطقة حظر طيران، بالإضافة إلى مسارين لعمليات محتملة مختلفة عنها، فمناطق الحظر المقترحة محدودة بالمنظور الجغرافي، وتغطي منطقة صغيرة نسبيا من المجال الجوي السوري، وهذه المناطق درست لتكون المتطلبات والمخاطر أقل ما يمكن بالنسبة للأفراد والمعدات الأميركية، وبالوقت نفسه أن تكون منطقة الحظر الجوي مجدية وواجبة التنفيذ.
توضَح هذه الدراسات التقنية بخطوات عملية كيف يمكن للولايات المتحدة تنفيذ مناطق الحظر الجوي، فالخيارات المقدمة هنا تفترض وجود دعم من الأردن وتركيا لتقديم مجموعة من الخيارات التي تقلل التكلفة والمخاطر.
فنياً، إنشاء منطقة الحظر الجوي سيوقف استخدام البراميل المتفجرة من المروحيات والقنابل المعتمدة على الجاذبية التي تلقى من أجنحة الطائرات ضد مراكز التجمعات المدنية المتواجدة في منطقة الحظر. البراميل المتفجرة هي أدوات متفجرة مرتجلة تملأ بالشظايا أو غاز الكلور وتلقى على المناطق المدنية. سيقلل إيقاف استخدام الأسد للبراميل عدد الضحايا بين المدنيين الناتجة عن هذه القنابل بشكل مباشر، وسيقلل الضغط على التجمعات السكانية المدنية في المناطق المسيطر عليها من قبل فصائل المعارضة الذي يدفعهم للهجرة. استراتيجياً إنشاء هذه المنطقة سيحرم نظام الأسد من قدرته على الاستمرار في استراتيجية القتل والتهجير التي يتبعها.
إذا أنشأت الولايات المتحدة منطقة الحظر الجوي فإن نظام الأسد قد يكون مجبراً ليراجع خياراته، بالرغم من أنه يعلن التزامه بالتفاوض لإنهاء النزاع، وقد شارك في مؤتمر جنيف 2.
في الواقع الأسد ببساطة يستنفذ مشاركته في محادثات السلام ليعطي الشرعية ويمدد حكمه. إذا كانت الولايات المتحدة ملتزمة بصدق للتفاوض وإنهاء الصراع في سوريا، فإن إنشاء منطقة الحظر الجوي قد تملك التأثير الاستراتيجي لإجبار الأسد وداعميه الخارجيين على إعادة حساباتهم السياسية. ما دام دعم روسيا للأسد كاملاً، فلا يبدو أن الأسد سيتنازل بشكل كاف عن المكتسبات السياسية ليكسب دعم صناع قرار المعارضة. الإطار الحالي للمفاوضات ليس في كفة مصالح الولايات المتحدة لأنه لن ينتج حلاً مستمراً متيناً. لذلك يجب على الولايات المتحدة القيام بعمل ما لتغيير معطيات المفاوضات الحالية للتسوية السياسية، ومنطقة الحظر الجوي هي أحد هذه الخيارات.
الوضع في سوريا حيوي ومتقلب، مما يجعل التقييمات التقنية والاقتراحات للتحركات الأميركية المحتملة أمراً صعباً. هذا البحث كان قد أعد بشكل موسع قبل التدخل العسكري الروسي في سوريا، وكان قد عدل بشكل جوهري ليعكس تصاعد التدخلين العسكريين المباشرين الروسي والإيراني، لكن لم يعد من الممكن الإبقاء على الوتيرة نفسها بشكل كامل. يظهر الآن على سبيل المثال، أن الروس يستخدمون الذخائر العنقودية في حلب، مما أدى بحسب التقارير إلى تهجير 75,000 مدني من منازلهم. إذا استمرت الطائرات الروسية باستخدام هذا الأسلوب أو أساليب مشابهة تفتك بالسوريين الأبرياء، فإن الأثر الاستراتيجي لإيقاف أو تقليل استخدام نظام الأسد للبراميل المتفجرة ربما يكون قد قلّ بشكل منظور.
من غير الواضح كم من الوقت سيستمر الروس بهذه المقاربة أو كم سيعززون المستوى الحالي من التدخل العسكري المباشر لدعم الأسد. لكن من المؤكد أنه يجب أن يكون أحد الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة إقناع الرئيس فلاديمير بوتن ليوقف مغامرته العسكرية في سوريا. يجب ألا تسمح الولايات المتحدة لروسيا بتحديد معطيات المفاوضات في سوريا عبر استخدام القوة، لذلك يجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار خيارات أخرى لتقييد روسيا في سوريا لتحقيق نفوذ في المفاوضات.
أية محاولة لإنشاء منطقة حظر جوي يؤدي لخطر احتكاك مباشر مع روسيا يجب أن يدرس بحذر شديد. إنه من غير الكافي تخطيط طرق لتقليل مخاطر التصعيد أو اتخاذ إجراءات لتجنبه، بالرغم من أن هذه الدراسة تأخذ هذين الخيارين بالحسبان.
يجب أن تحسب الولايات المتحدة الفوائد المحتملة لمنطقة حظر جوي محتملة، بالمقارنة مع التكلفة المحتملة لصراع محدود مع روسيا في الوقت الذي يجب اتخاذ القرار فيه.
ترجمة: السوري الجديد
