تحت أشعة الشمس الحارقة يغطي وجوههم الغبار، وهم جالسون على حافة الرصيف ينتظرون عملا قد لا يحظون به، هكذا يمضي عمال الأجرة اليومية يومهم في ريف حلب الشمالي، جلهم من النازحين والمهجرين الذين أضناهم الفقر ومرارة النزوح، فلجؤوا إلى ساحات المدن لعلهم يكسبون أرزاقهم.
هيثم نازح من دير الزور شرقي سوريا جراء المعارك مع النظام وتنظيم الدولة الإسلامية منذ سنوات، لم تسمح له ظروف حياته أن يتعلم مهنة جراء الحرب ونزوحه المتكرر، وكانت عائلته في دير الزور تعتمد على تربية المواشي ومنتجاتها، لكن الفقر أجبرهم على بيع مواشيهم خلال السنوات الماضية، وآلت به الأحوال ليكون عاملا بالأجرة اليومية.
يقول هيثم “أتوجه يوميا من الساعة السادسة إلى ساحة إعزاز بريف حلب ولكن جمود الأوضاع الاقتصادية تسبب في تراجع العمل، فمنذ أكثر من عشرة أيام لم أحظ بعمل، وفي الأيام التي أعمل فيها يدفع لي أصحاب العمل 2000 أو 2500 ليرة سورية (نحو دولار واحد) وهي لا تكاد تكفي ثمن خبزي”.
ارتفاع البطالة
عشرات العمال يتراكضون بين السيارات في ساحة أعزاز بمجرد توقفها، يأملون أن يقع الاختيار عليهم لأداء عمل ما، رغم تدني الأجور، ولكن الشيء الزهيد رغم التعب الكبير أفضل من العودة إلى منازلهم بأيدٍ خالية.
محمد الحلبي يقطن مع عائلته في مخيم عشوائي، وهو المعيل الوحيد لوالديه المسنين وإخوته الصغار وأخته المريضة، ومردوده لا يكفي لتغطية مصاريف المعيشة وعلاج شقيقته، ويشتكي من تسديد أجورهم بالليرة السورية، رغم الخطوات الحكومية في الشمال السوري الهادفة للحفاظ على استقرار الاقتصاد، وذلك بطرح الليرة التركية للتعامل بدلا من الليرة السورية التي انهارت قيمتها أخيرا.
ويقول محمد “بعد كل عمل ننجزه يسدد لنا أصحاب العمل أجرتنا بالليرة السورية، لأن مجمل المحال التجارية باتت تتعامل بها، مما يفرض علينا تصريف أجرتنا إلى الليرة التركية وبذلك نخسر عمولة التحويل”.
وأضاف “المسؤولون هم من عليهم تحمل مسؤولية معاناتنا، فهم من طرحوا الليرة التركية للتعامل بها وباتوا يضبطون الأسعار بها، ولكنهم لم يتحركوا بأي قرار لضبط أجرة العمال بالليرة التركية أو حتى بما يعادلها بالليرة السورية”.
أبرز المتضررين
يرى اقتصاديون أن أبرز المتضررين من انهيار الليرة السورية هم عمال اليومية وأصحاب الدخل المحدود، كما أنهم يرون أن الإجراءات الحكومية يجب أن تكون أوسع وأسرع للحد من الأضرار والتبعات الاقتصادية.
ويقول مدير مركز ماري للأبحاث والدراسات الدكتور معروف الخلف “نحن الخبراء الاقتصاديين قمنا بدراسة مكثفة للأوضاع المعيشية في المناطق المحررة، ووجدنا أنه من الضروري وجود آليات وإستراتيجيات تخفف على المواطن وطأة المعيشة نتيجة تقلب سعر الصرف”.
وأضاف الخلف أن “الحلول كلها مطروحة على الطاولة ولكن ما نفتقده هو جهة تنفيذية لفرض نشرات الصرف، بالإضافة إلى سلطة رقابية وعقابية لحماية المستهلك والعمال والفلاحين”.
لقد أثقل الفقر كاهل أكثر من 60% من سكان الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة، فباتت المنطقة مكتظة بالنازحين والمهجرين، مما تسبب في ارتفاع نسبة البطالة إلى أعلى مستوياتها، لتتراكم المعاناة على عاتق الأهالي الذين يرون أنه لا حل لمأساتهم إلا بتوقف الحرب والعودة إلى الديار.