تزداد الأوضاع سخونة في حلب ومحيطها مع اشتداد المعارك بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة، وزيادة الغارات الروسية في محيط المدينة وريفها، وسط إعلان موسكو بدء عمليات استطلاع مواقع المعارضة تمهيداً لاستهدافها. في هذا الوقت عادت التظاهرات ضد النظام السوري لتعم غوطة دمشق. وخرج مدنيون وناشطون في غوطة دمشق الشرقية، أمس الجمعة، في تظاهرات هتفت ضد النظام وطالبته بالرحيل عن سورية، وذلك تعبيراً منهم عن مواصلة الحراك السلمي للثوة السورية. وأطلق ناشطو الثورة السورية على تظاهراتهم اسم “جمعة الثورة تحرير وبناء”. وأشار الناشط الإعلامي ياسر الدوماني، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن تظاهرات انطلقت من مدينة دوما لتجوب مدن وبلدات الغوطة الشرقية، وصولاً إلى بلدة مسرابا. وطالب المتظاهرون بـ”رحيل نظام بشار الأسد عن سورية”. وارتفع إلى 11 شخصاً، جلهم من النساء والأطفال، عدد الذين قضوا جرّاء غارات نفّذتها الطائرات الحربية على مناطق في غوطة دمشق الشرقية، إذ قُتل ثمانية في دوما، في حين قتلت سيدتان وطفلة جراء القصف على سقبا.
وقالت مصادر محلية إن المقاتلات الحربية الروسية شنّت غارات على قرى المنصورة وكفرداعل وتديل في ريف حلب الغربي، ما أسفر عن جرح عدد من المدنيين، بينهم أطفال ونساء. وجدّد الطيران الحربي الروسي قصفه منطقة منيان غرب حلب، وسط قصف صاروخي من النظام السوري على المنطقة، فيما قصفت المقاتلات الحربية الروسية بالقنابل العنقودية حي الراشدين وضاحية الأسد غرب مدينة حلب، وسط اشتباكات عنيفة بين فصائل المعارضة وقوات النظام على أطراف الضاحية. وفي هذا السياق، أعلنت المعارضة أنها صدت “هجوماً قوياً” للنظام السوري والمليشيات المساندة له، ليل الخميس – الجمعة، على ضاحية الأسد، والتي كانت قوات المعارضة سيطرت عليها في اليوم الأول من معركة كسر الحصار عن الأحياء الشرقية في مدينة حلب.
وذكرت “جبهة فتح الشام”، على حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، أن “عناصرها تصدّوا لمحاولة قوات النظام والمليشيات الموالية لها، التقدم في منطقة ضاحية الأسد بعد اشتباكات عنيفة أدّت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف القوات المهاجمة”، غير أن ناشطين أكدوا تمكن قوات النظام من السيطرة على كتل سكنية في ضاحية الأسد، عقب اشتباكات عنيفة مع مقاتلي المعارضة خلفت قتلى وجرحى في صفوف الطرفين، إذ تحدّثت مصادر “الطبابة الشرعية” في مدينة حلب مساء أول من أمس عن وصول 72 جثة لقوات النظام والمليشيات المساندة لها إلى المستشفى العسكري في المدينة. وتتواصل الاشتباكات بين الجانبين على أطراف الضاحية، وسط قصف جوي من المقاتلات الحربية الروسية وقوات النظام، فيما أعلنت “حركة أحرار الشام” أن مقاتليها دمّروا بواسطة صاروخ “تاو” دشمة عسكرية لقوات النظام على تلة أحد جنوب مدينة حلب، ما أدى إلى مقتل وجرح عدد من عناصر النظام ومليشياته. وتقول مصادر محلية إن قوات النظام استطاعت حتى الآن “فرملة” هجوم مقاتلي المعارضة على مدينة حلب، وامتصاص قوة الزخم التي كانت في الأيام الأولى، وتمكنت من استعادة بعض المناطق التي كانت بحوزة المعارضة، مثل مشروع 1070 شقة جنوب غربي المدينة، فضلاً عن استعادة أجزاء من ضاحية الأسد.
إلى ذلك، قال مصدر عسكري روسي، أمس الجمعة، إن سفن الاستطلاع المرافقة للمجموعة البحرية الحربية الروسية، والمتمركزة قبالة الساحل السوري، بدأت تستطلع الأراضي السورية من ساحلها إلى عمقها، تمهيداً لاستهداف من سماهم “الإرهابيين”. ونقلت وكالة “إنترفاكس” الروسية عن المصدر قوله إن مقاتلات “ميغ-29″ و”سو-33” المحمولة على ظهر حاملة الطائرات “كوزنيتسوف” كثفت من طلعاتها أخيراً لاستطلاع الأجواء فوق “مسرح العمليات وتحديد المهام القتالية”، وهي جاهزة لبدء العمل العسكري “في أية لحظة”. وأوضح أن مجموعة السفن الحربية الروسية، والتي تضم حاملة الطائرات “الأميرال كوزنيتسوف”، والطراد الذري الثقيل “بطرس الأكبر”، وفرقاطة “الأميرال غريغوروفيتش”، تحضر لـ”ضرب الإرهابيين”، مشيراً إلى أن “الاستطلاع يكشف باضطراد عن مواقع جديدة للإرهابيين، ويضع قائمة الأهداف المنشودة قبل تسليمها إلى مجموعة الطائرات البحرية ولفرقاطة الأميرال غريغوروفيتش المزودة بصواريخ كاليبر عالية الدقة”.
ونقلت قناة “روسيا اليوم” عن مصدر في وزارة الدفاع الروسية قوله إن السفن الروسية ستشارك في توجيه ضربات جوية وصاروخية إلى “عصابات الإرهابيين على مشارف حلب، والتي تحاول اختراق المدينة، بالتعاون مع سفن أسطول البحر الأسود الروسي، وطائرات من الطيران الاستراتيجي وبعيد المدى، والطائرات الحربية في قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية”. ونفى المصدر نية روسيا توجيه أي ضربات إلى الأحياء السكنية في مدينة حلب، متوقعاً أن يتم “القضاء على الإرهابيين على تخوم المدينة”.
وفي إطار توجيه الأنظار بعيداً عن المجازر التي ترتكبها قوات النظام السوري وروسيا في حلب، اتهم الجيش الروسي، أمس، مقاتلي المعارضة باستخدام أسلحة كيميائية، فيما سارع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى نفي هذه المزاعم. وقال الجيش الروسي، في بيان، إن “خبراء وزارة الدفاع الروسية عثروا على ذخيرة مدفعية غير منفجرة تعود للإرهابيين تحتوي على مواد سامة. وبعد تحليل سريع في مختبر متحرك تبين لنا أن الذخيرة تحتوي على الأرجح على غاز الكلور والفوسفور الأبيض”. وأشار إلى أنه تم العثور على هذه الذخيرة في منطقة 1070 شقة على الطرف الجنوبي الغربي لحلب. وقال كوناشنكوف “نطلب من رئاسة منظمة حظر السلاح الكيميائي النظر في إرسال خبراء إلى الحي 1070 في حلب بأسرع ما يمكن لتوثيق حقيقة استخدام مواد كيميائية كسلاح”.
وقد رفضت وزارة الدفاع الروسية طلباً من رئيس مجموعة العمل الخاصة بالمساعدات الإنسانية لسورية يان إيغلاند لتمديد الهدنة في حلب من أجل السماح بإدخال المساعدات الإنسانية. وقال المتحدث باسم الوزارة إيغور كوناشنكوف إنه “من غير المفيد تمديد فترة وقف النار لكي يتمكن الإرهابيون من استعادة قدراتهم القتالية بشكل أفضل”. وتقول الأمم المتحدة إنها وزعت أول من أمس آخر الحصص الغذائية المتوافرة لديها في أحياء حلب الشرقية، ما يُنذر بشتاء “كارثي” يواجه أكثر 275 ألف مدني يعيشون تحت الحصار.
وقال مصدر مسؤول في الائتلاف، في بيان، إن “الائتلاف ينفي أي صلة للجيش السوري الحر وفصائل الثورة السورية بالمزاعم التي روَّج لها بيان للجيش الروسي بشأن العثور على قذائف مدفعية محشوة بغازي الكلور والفوسفور الأبيض في منطقة 1070 في حلب، والتي شهدت اشتباكات عنيفة. ويؤكد الائتلاف أن الجيش الحر يستخدم أسلحة خفيفة ومضادة للدروع فقط في مواجهاته لمليشيات بشار الطائفية والإرهابية الحليفة لها في أحياء حلب. كما أن القذائف المشار إليها تستخدم حصراً من قبل قوات بشار والمليشيات الإرهابية الإيرانية، والإعلان الروسي دليل إدانة صارخ ضد هذه المليشيات التي استخدمت ذخائر محشوة بالغاز السام في مناطق عدة في حلب في وقت سابق”. وأضاف “يدعو الائتلاف المنظمات المختصة التابعة للأمم المتحدة لوضع يدها على تلك الذخائر، وفتح تحقيق جدي بشأن مسؤولية سلطة بشار وحلفائه عنها”.
وفي ريف حلب الشرقي، حققت قوات “درع الفرات”، المدعومة من تركيا، مزيداً من التقدم في زحفها نحو مدينة الباب، أكبر معاقل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في الريف الحلبي، مع إعلانها بدء المرحلة الثالثة من العملية. وقالت مصادر ميدانية إن فصائل “درع الفرات سيطرت على قرى الشيخ علوان ومقالع البوشي وبتاجك وجودك وبازجي”، إذ باتت على بعد خمسة كيلومترات فقط من مدينة الباب. وأعلن الجيش التركي أنه قصف 52 موقعاً لتنظيم “داعش” و13 لمليشيات “وحدات حماية الشعب” الكردية شمال حلب، وذلك في إطار عملية “درع الفرات”. وبالتزامن، تتواصل الاشتباكات بين “قوات سورية الديمقراطية” و”داعش” على عدة محاور في الريف الشمالي للرقة، بالتزامن مع تحليق لطائرات التحالف الدولي، وسط عمليات قصف متبادلة. وتمكنت “قوات سورية الديمقراطية” من السيطرة على قريتي الحرية والحايس في محاولة لعزل مدينة الرقة عن ريفيها الشرقي والشمالي، ليرتفع إلى 19 على الأقل عدد المزارع والقرى التي سيطرت عليها هذه القوات منذ بدء معركة عزل الرقة، في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. ويتزامن تقدم الوحدات الكردية مع حركة نزوح واسعة لأهالي تلك القرى، خصوصاً بعد المجزرة المروعة التي ارتكبتها طائرات التحالف الدولي بحق عشرات المدنيين في قرية الهيشة الثلاثاء الماضي.
العربي الجديد