استعادة ما بقي من مدينة الموصل تحت سيطرة تنظيم داعش، باتت في ظلّ الظروف الميدانية القائمة مسألة وقت، لكن الإشكال يظل في الدمار الهائل الذي لحق بالمدينة، وعدد الضحايا بين سكانها، الأمر الذي سيجعل من مرحلة الخروج من فترة الحرب والتخلّص من مخلّفاتها عملية بطيئة وشاقّة.
الموصل (العراق) – واصلت القوات العراقية الأحد، تقدّمها البطيء في الجزء الغربي من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال العراق، على حساب تنظيم داعش الذي انحسرت سيطرته على مساحة ضيقة بالمدينة القديمة، لكنّ من بقي من مقاتليه لا يزالون يصرّون على مواصلة المعركة بشكل انتحاري، ما يطيل أمد معاناة عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين هناك، فضلا عن الدمار الهائل الذي يلحق بالمدينة ويحوّل أغلب بناها ومرافقها إلى ركام.
وأعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية في بيان، الأحد، أن “قوات مكافحة الإرهاب تحرر منطقة مكاوي في المدينة القديمة”.
ورغم أن المنطقة التي لا يزال يسيطر عليها التنظيم صغيرة جدا، غير أن أزقتها وشوارعها الضيقة بالإضافة إلى تواجد مدنيين بداخلها، تجعل العملية العسكرية محفوفة بالمخاطر.
وأفادت الشرطة العراقية، الأحد بمقتل ثلاثة مدنيين وإصابة سبعة آخرين في تفجير انتحاري استهدف فارين من مناطق القتال بين القوات العراقية وتنظيم داعش وسط الموصل القديمة.
وقالت مصادر بالشرطة إنّ بين القتلى امرأة وإنّ التفجير تمّ بحزام ناسف نفذه عنصر من داعش استهدف المدنيين الفارين من ساحة القتال تجاه القوات الأمنية في منطقة النبي جرجيس ضمن الموصل القديمة.
وصرح الفريق رائد شاكر جودت قائد الشرطة الاتحادية إنّ قواته استعادت السيطرة على جامع بلال الحبشي بالقرب من شارع النجيفي، فيما تواصل قوات أخرى تقدمها في المحور الجنوبي.
وحسب خارطة عسكرية، وزعتها خلية الإعلام الحربي في قيادة العمليات المشتركة، يدور القتال ضد داعش حاليا في عدة مناطق متداخلة في ما بينها.
وترجح مصادر أمنية وعسكرية عراقية أن حسم المعارك في ما تبقى من مساحة صغيرة داخل الساحل الأيمن سيتطلب المزيد من الوقت بسبب الكثافة البشرية التي يستغلّها تنظيم داعش للاحتماء كدروع بشرية.
وبدأت القوات العراقية هجومها على الموصل في 17 أكتوبر الماضي، فاستعادت الجانب الشرقي من المدينة في يناير، قبل أن تطلق بعد شهر هجومها على الجزء الغربي حيث الكثافة السكانية أكبر.
وأعلنت تلك القوات في 18 يونيو الماضي اقتحام المدينة القديمة، وباتت الآن في المراحل الأخيرة من الهجوم. واستعادت السبت السيطرة على مجمع طبي شمال المدينة القديمة، بعد معارك طويلة، لتعزل تنظيم داعش حاليا عن محيطه خارج مربع المدينة القديمة.
وقال قائد عمليات “قادمون يا نينوى”، وهو الاسم الذي أطلق على العملية العسكرية الجارية لاستعادة مناطق المحافظة الواقعة شمال العراق، الفريق الركن عبدالأمير رشيد يارالله في بيان إن “قطعات الشرطة الاتحادية والرد السريع تحرر الجزء الشمالي لحي الشفاء وتسيطر على المستشفى التعليمي ابن سينا والاستشارية ومصرف الدم والطب الذري ومشروع الماء والتحليلات المرضية” في غرب الموصل.
واستولى التنظيم المتطرف على مستشفيات عدة في المدينة خلال المعارك.
وكان بعض أفراد القوات العراقية قد أعربوا عن إحباطهم بسبب القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الثقيلة ضد بعض المنشآت كالمستشفيات، قائلين إن ذلك يطيل الجهود لاستعادتها.
ومع ذلك تؤكّد مصادر محلية أنّ تلك الأسلحة لا تزال تستخدم بالفعل ما يفسر حجم الدمار الهائل الذي لحق بالمدينة وسقوط مبان كبيرة على رؤوس سكانها.
ومن جهته، أكد قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت استعادة حي الشفاء بالكامل، ليقتصر تواجد الجهاديين حاليا على المدينة القديمة.
وقال جودت في بيان إن “قواتنا تتقدم في ثلاثة محاور، وتلاحق الجماعات الإرهابية في المناطق القليلة المتبقية من البلدة القديمة”.
والخميس الماضي استعادت القوات العراقية السيطرة على جامع النوري الكبير الذي شهد الظهور العلني الوحيد لزعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي في يوليو 2014.
وكان التنظيم المتطرف أقدم في 21 يونيو الماضي، أمام تقدم القوات العراقية، على تفجير جامع النوري ومنارة الحدباء التاريخية. غير أنه اتهم عبر وكالة “أعماق” التابعة له، غارة أميركية بتدمير المعلمين التاريخيين.
ويتخوّف سكان الموصل من أن مدينتهم لن تستعاد من تنظيم داعش إلاّ وهي ركام، ما سيجعل معاناتهم تتواصل خلال مرحلة ما بعد التنظيم، خصوصا وأنّ الدولة العراقية تبدي بوادر عجز عن إعادة إعمار مناطق كثيرة أتت عليها الحرب.
ورغم التدمير، فإن استعادة الموقعين شكلت زخما لدى القوات العراقية والحكومة. واعتبر رئيس الوزراء حيدر العبادي أن استعادة جامع النوري إعلان “بانتهاء دويلة الباطل الداعشية”.
وفي اليوم التالي، أكد قائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبدالغني الأسدي لوكالة فرانس برس أنه “في الأيام القليلة القادمة سنعلن النصر النهائي على داعش في الموصل”.
ورغم أن خسارة الموصل ستكون ضربة كبيرة للتنظيم، فإنها لن تمثل نهاية التهديد الذي يشكله، إذ يرجح أن يعود المتطرفون وبشكل متزايد إلى تنفيذ هجمات بأسلوب التمرد، على غرار الاستراتيجية التي كانت متبعة في السنوات الماضية.
المصدر : صحيفة العرب