اعتقل النظام السوري في ثمانينيات القرن الماضي آلاف السوريين بحجة انتسابهم لجماعة الإخوان المسلمين، فكانت المجازر والإعدامات الجماعية في السجون المكتظة خير شاهد على وحشية النظام بقيادة حافظ الأسد، ليكمل ابنه من بعده هذه المسيرة القمعية المكللة بدماء السوريين.
أطلق النظام السوري سراح بعض معتقلي الثمانينات بعد تعذيب وإهانة بأقبح الوسائل الممكنة استمر أكثر من 15 عاما، أما البعض الآخر كان ضحية للمجازر الجماعية وبعضهم لازال مصيره مجهولا حتى هذه اللحظة.
خيم التعتيم الإعلامي على تلك الحقبة الزمنية، كانت الأمهات ينتظرن بلهفة خروج أحد من المعتقلين لسؤاله عن أبنائها لمعرفة مصيرهم.
رفض النظام السوري بأفرعه الأمنية ومخابراته الإفصاح عن أسماء المعتقلين أو بالأحرى الاعتراف بوجودهم، حيث سبب هذا التعتيم وقوع أهالي المعتقلين بالعديد من المشاكل وعلى رأسها الميراث، فلا يوجد أي وثيقة رسمية صادرة عن أي جهة في حكومة النظام تثبت أن المعتقل متوفى أو أنه مازال موجودا في أحد السجون.
أم عبد القادر من مدينة ادلب تقول:” اعتقل نظام الأسد أولادي الاثنين من جامعة حلب بتهمة التورط في أحداث الإخوان حيث قام زوجي بمراجعة الأمن السياسي لكن دون فائدة بل اكتفوا بإعطائه ملابسهم الغارقة بدمائهم الطاهرة، وبعد وفاة زوجي واجهتنا مشكلة في بيع قطعة أرض زراعية فليس لدينا شهادة وفاة لهما، فهما عند النظام مسافران خارج القطر منذ الثمانينات، وبعد تحرير مدينة ادلب استطعنا بيع قطعة الأرض عبر شهادة وفاة كتبها لنا أحد الأطباء الموجودين في المدينة”.
مسألة الميراث لم تكن محصورة بأم عبد القادر بل بجميع أسر المعتقلين، فقد كان الأطباء في مناطق النظام يتخوفون من إعطاء شهادة بالوفاة كي لا يتعرضوا للاعتقال والمساءلة.
استطاعت عائلات المعتقلين من حل مشكلة الميراث في المناطق المحررة، ولكن أدت هذه الظاهرة لبروز بعض الأطباء ذوي النفوس الضعيفة ليعم الفساد وتنتشر الفوضى، فأصبحوا يعطون شهادات وفاة لأي شخص يطرق بابهم دون التأكد من مصداقية الوفاة وبالأخص بعد تعرض المدن المحررة للقصف فكانت الحجة القوية أمامهم ان سبب الموت هو براميل وصواريخ النظام، ليحققوا بذلك غايتهم المرجوة من شهادة الوفاة.
لم تكن مشكلة الميراث الوحيدة التي واجهت أسر المعتقلين، لمى معلمة لغة فرنسية من مدينة حماه تتحدث عن تجربتها:” بعد تخرجي من معهد اللغة الفرنسية تقدمت إلى المسابقة التي أجرتها مديرية التربية وكان اسمي من بين الناجحين وبترتيب أولي، ولكن للأسف لم يكن اسمي من بين المعينين والسبب أن أخي معتقل بأحداث الإخوان، لم أفقد الأمل واستمريت بالتقدم للمسابقات لثلاث سنوات متتالية لكن دون جدوى إلى أن دفع أبي لأحد المسؤولين مبلغا من المال لإزالة الإشارة عن اسمي وتعييني”.
نظام مجرم كانت سياسته القمع والاستبداد منذ استلام آل الأسد الحكم، إذ لم يكتف بالاعتقال وارتكاب المجازر بل امتد إجرامه ليتعدى أسر وعوائل المعتقلين لتزداد جراحهم ومآسيهم منذ لحظة اعتقال أبنائهم وحتى اليوم.
المركز الصحفي السوري _ سماح خالد