غازي عنتاب ـ «القدس العربي»: رغم أن غالبية السوريين أصبحوا يعرفون ما تعني أفرع النظام الأمنية وسجونه، إلا أن التقرير الأمريكي الأخير عن «محرقة الجثث» قرب سجن صيدنايا المشهور في سوريا، أعاد للأذهان ما يتعرض له المعتقلون في سجون النظام من تعذيب وتنكيل وقتل بطرق شتى منها الصعق والشنق وأساليب أخرى أكثر وحشية.
«إكرام الميت دفنه» هذا ما يقوله العرف والشريعة، إلا أن الوضع في سجون النظام مختلف تماماً، فمن وجهة نظرهم «إكرام الميت حرقه» وفي أحسن الأحوال رميه في أحد مكبات النفايات على أطراف العاصمة، أما قتل الأحياء فقد أصبح عادة بالنسبة لهم.
بدر الدين علي معتقل سابق في الفرع 235 أو ما يعرف باسم (فرع فلسطين/ الفرع الأسود)، قال في حديث لـ «القدس العربي»، إن «ما يحدث داخل السجون وبخاصة صيدنايا وفلسطين لا يمكن وصفه بالوحشية والقتل الممنهج فحسب، بل ليس له أي توصيف في القانون البشري الذي تفرضه القيم الإنسانية أو الأديان، هناك يُعد الشخص ميتاً منذ دخوله وعلى أقاربه إقامة عزاء له بمجرد أنهم علموا بأنه في (فرع الجحيم)، ومن يخرج منه فيكون هناك معجزة سماوية قد تحققت أو أن أجله لم يأتِ بعد».
بدر الدين الذي أمضى أشهراً عدة في الفرع المذكور، روى أحداثاً وتفاصيل مروعة عن عمليات تصفية جماعية قام بها النظام السوري بحق السجناء بأساليب مختلفة لا تقل وحشية عن بعضها، حيث ذكر أنه «في إحدى الليالي دخل عدد من العناصر إلى (المهجع) واقتادوا أربعة شبان للتحقيق، قاموا بسحلهم في الممرات وصولاً لغرفة التحقيق بعد إغماض عينيهم، مرت ساعات قبل أن يعيدوهم إلى المهجع وهم يحتضرون من شدة الضرب والتعذيب، أحدهم كان رأسه ينزف بشدة والدماء قد غطت جسده، لم يكن باليد حيلة، فكل ما نملك هو سراويل داخلية».
يضيف «بعد ساعات توفي الشبان الأربعة متأثرين بجراحهم، وتمت مناداة الحرس من أجل أن يروهم، الذين بدأوا بشتمهم قبل أن يحملوهم من المهجع، لأقول في نفسي بصوت خافت: الله يصبر أهلهم لما يشوفوهم، لأتفاجأ بأحد السجناء يبتسم ابتسامة خافتة ويقول: يشوفوهم.. هدول ما عاد حدا يشوفهم، وعندما سألته عن السبب أخبرني بأن من يموت من السجناء يتم إرساله إلى المحرقة، وهي عبارة عن فرن مخصص لحرق الجثث ويوجد منه اثنتان أحدهما في فرع فلسطين والآخر في سجن صيدنايا، ويتم إحراق من يُتوفى فوراً ولا تتم إعادته لأهله أو ذويه أو إخبارهم، أما (الميت المحظوظ) فيدفن في مقبرة جماعية في منطقة (مكبات القمامة) التابعة لمنطقة نجها قرب العاصمة دمشق المعروفة باسم (مزابل نجها)».
أما الشاب أحمد القاسم، الذي أمضى أربع سنوات في سجن صيدنايا بين الـ 2014 – 2016، فقد قال في حديث لـ «القدس العربي»، «المحرقة بحد ذاتها كانت الشيء الأبرز في ذلك السجن، يُهدد السجناء الذين ينكرون التهم الملفقة لهم، بالزج في المحرقة وهم أحياء، هي إحدى وسائل الضغط النفسي على السجناء من أجل دفعهم للاعتراف بأمور لم يفعلوها وقد شهد بعضنا حالات حرق عدة للجثث في تلك المحرقة».
يضيف «في إحدى المرات تم إخراجنا إلى حيث المحرقة، وبدأ عناصر الفرع بإدخال الجثث إليها، كانت مشاهد مروعة الهدف منها إيقاع الرعب في قلوبنا وفعل أي شيء يريدونه كي لا ندخلها، لكن فجأة حدث أمر جعلني أفقد صوابي، أحد السجناء الذين أحضروهم على أنهم متوفون كان ما زال يتنفس ببطء وأعتقد أنه كان في حالة (إغماء)، غالبيتنا لاحظ هذا الأمر ولكن من يجرؤ أن يتفوه ولو بكلمة واحدة، قاموا بإدخاله إلى المحرقة وبعدها بدأنا بسماع صوت أنين خافت، أصبحنا نبكي بحرقة من هول الموقف وبعضنا دخل في حالة (تشوش عقلي)».
وقال «أمضيت أربع سنوات في السجن ولا أدري لماذا، وخرجت بموجب عفو صدر عن بشار الأسد هكذا تم إخباري، وأنني قد لا أكون بهذا المقام ليشملني العفو إلا أن الأوامر أوامر وفق تعبير رئيس الفرع»، مضيفاً أن الطريق من دمشق نحو ريف حلب حيث يقيم لم يكن سهلاً أيضاً، فلون البشرة والشعر الحليق كان يكشف بأن هذا الشخص (سجين خرج للتو)، وأن حواجز النظام في كل مرة كانت تنزلهم من الحافلة وتضربه
م وتشتمهم ثم تتركهم بحال سبيلهم، باعتبارهم (خونة للوطن ولرب الوطن).
القدس العربي