راحت حلا تذرع أرض الغرفة جيئة وذهابا؛ علّها تخفف قليلا من توترها، بينما تتابع أختها فاطمة حركاتها بقلق، وقالت لها:” يكفي حاج تروحي وتجي زاغت عيوني شو الفايدة من اعتراضك، بابا بقرر ونحن لازم انّفذ”.
جلست حلا مواجهة لأختها، نظراتها مشتتة، عيناها منتفختان محمرتان، وجهها يوحي بحالة البؤس التي تعيشها، قالت:” انتي بتعرفي حجم المعاناة اللي عم نعيشها وقت النزوح، وما بس هيك كمان امتحاني قرّب، أنا درست كتير وتعبت وبالآخر شو..؟ ما في امتحان لأن رح ننزح من إدلب”، كانت تلك كلماتها الأخيرة بصوت باك.
شاركت فاطمة أختها الألم؛ فهي الأخرى عانت من المشكلة ذاتها، عائق كبير يعترض طريق آلاف الطلاب كل سنة في سورية بمتابعة تحصيلهم العلمي، وبلوغ أهدافهم بالنجاح، لكنه حلٌ وقائي تتبعه غالبية الأهالي في إدلب وبقية المناطق المحررة؛ لاتقاء شر هجمات الطيران وما يمكن أن تخلفه من أضرار بشرية بغض النظر عن الأضرار المادية.
يواجه أهل حلا مشكلة الخوف من قصف الطيران خاصة أن منزلهم في الطابق الأخير؛ وهو معرض لضرر الطيران أكثر من غيره.. دخل الأب الغرفة، ونقل نظره بين ابنتيه وقال:” بنتي حلا ،أكيد بتقدري الحالة النفسية اللي وصلت لها أمك، بيتنا آخر طابق وما في أمان والقصف مستمر يوميا والنزوح أفضل حل”.
التفتت حلا نحو أختها تناشدها العون علها تتوصل لإقناع والدها ليبعد فكرة النزوح عن قائمة حلوله والبقاء في إدلب قالت تستعطفه:” وامتحاني؟ شو نعمل فيه؟ متل ما بتعرف ما ضل وقت موعده قرب ولازم استعد أكتر.. خلينا ندور على حل ناسبني ويناسبكن”.
في هذه الأثناء كانت فاطمة تفكر في حل، وخطرت ببالها فكرة ” شورأيك بابا نطلب من عمو أديب نسكن بيته، بيته أرضي وجواني وهو ما هون، والبيت آمن شوي وهيك ماما بترتاح نفسيا وما نضطر للنزوح؟”.
تذكر الأب البرنامج التلفزيوني الذي تحدث عن الآثار السلبية للنزوح خاصة في المجال التعليمي، آثاره السلبية على العديد من مجالات الحياة أهمها التعليم، المتمثلة بضعف العملية التعليمية وانتشار الجهل بين الطلاب، بالإضافة لعدم تمكّن الجامعيين من استكمال دراستهم.
نظر الأب لابنته حلا وقال:” في كتير من المعلمين نزحوا وبجوز البقية كمان ينزحوا شو رح تعملي بهاي الحالة؟”.
عرفت حلا أنها أثرت قليلا بوالدها فأسرعت القول:” نحن فكرنا بحلول مسبقا للمشكلات اللي ممكن تعترض طريقنا، في مجموعة أساتذة رح يلتزموا بتعليم الطلاب ضمن بيوت سكنية مؤمنة في كل حي وهيك بتكون المشكلة الأكتر تعقيدا انحلت”.
ارتمت بين أحضانه وتابعت:” نحن كلنا إيمان أن قضاء الله وين ما كنا رح يصيبنا ونحن رح نعمل بالأسباب ونطلع من البيت بس لبيت أكتر أمان بنفس المدينة، ومارح نستسلم للظروف اللي خلقها الطيران بهدف تخويفنا، رح نبقى هون ونعمر بلدنا من جديد، ولازم نكمل دراستنا مهما كانت الظروف صعبة”.
نظرت حلا لوجه والدها وهي تتساءل هل استطاعت تغيير رأيه؟.
حلا وأمثالها من جيل الشباب، يحاولون إيجاد حل لمشكلة النزوح والعمل على التخفيف من بعض الآثار السلبية له.
شعر والد حلا بالفخر؛ لأن ابنته لديها إحساسا بالمسؤولية تجاه سورية الأم وإصرارا على تغير الواقع لواقع أفضل كمثيلاتها من جيل الشباب، إن دل ذلك على شيء فهو يدل على القوة التي يتمتع بها أبناء سورية لنيل الحرية وهذا من مقومات نجاح الثورة.
المركز الصحفي السوري –هدى محمد