بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
احتدمت الحرب الكلامية المرافقة لمعارك عرسال، فبينما يشير البعض إلى ضرورة القضاء على عناصر التنظيمات الإرهابية المتواجدين في تلك المناطق، يوجه البعض أصابع الاتهام نحو القوات اللبنانية وميليشات حزب الله المشاركة بتلك العمليات بتنفيذ أجندة سياسة خلف تلك المزاعم هدفها إحكام الحصار حول اللاجئين السوريين المناوئين لحكم الأسد من أجل العودة الطوعية للأراضي السورية ومن جانب آخر لمنع تلك الشريحة من الخروج بمظاهرات تندد بالمعاملة السيئة التي يقاضيها أولئك المعذبين في الأراضي اللبنانية.
وبطبيعة الحال، تعد ملاحقة عناصر التنظيمات الإرهابية من أنجح الذرائع التي تتأبطها الدول الكبرى والأنظمة الدكتاتورية العربية من أجل إغراق المنطقة بمستنقع من الدماء عبر التضليل الإعلامي !!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، قالت القيادة المركزية الأمريكية التي تشرف على عمليات الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط أن طائرات التحالف استهدفت وبطلب من القوات العراقية مقاتلين وعتادا لـ”الدولة الإسلامية” في الموقع الذي سقط فيه ضحايا، وأنها تحقق لمعرفة الحقائق، وقد ألحق هذا الهجوم الجوي أستشهاد 500 مواطن عراقي بريء في الأحياء الغربية من مدينة الموصل.
وعلى ذات المنوال تزعم القوات اللبنانية وحزب الله بمطاردة العناصر المتشددة في منطقة عرسال دون أن تولي اهتماما بكم الخسائر البشرية للجماعات غير المرتبطة بتلك التنظيمات، ولعل تصرفات بعض عناصر الجيش اللبناني مع المعنقلين من اللاجئين السوريين من خلال عمليات التخريب المتعمد لخيام اللاجئين والمعاملة السيئة التي تواكب عمليات الاعتقال تفصح عن نوايا تلك القوات وتكشف زيف شعاراتهم بمحاربة التنظيمات الإرهابية.
وحسب ما ذكره رئيس مؤسسة “لايف” للديمقراطية وحقوق الإنسان، نبيل الحلبي، لصحيفة القدس العربي فإن 19 نازحًا قتلوا في مخيم واحد بينهم طفلة ورجل مبتور القدمين، وأضاف أن عناصر الجيش رموا القنابل داخل الخيم ومشطوها بالرصاص، موضحًا أن البعض لم يستطع الخروج فقُتل، وأشار إلى أن 150 معتقلًا تعرضوا لضرب مبرح، وأن أوضاع بعضهم تحتاج إلى مستشفيات.
وقد وصل الحال بالسوريين العام الماضي إطلاقهم هاشتاغ “أخرجونا من لبنان” كرد فعل على الانتهاكات التي يرتكبها الجيش اللبناني بحقهم.
وبث ناشطون صورا لعمليات الدهم التي قام بها الجيش اللبناني، حيث ظهر فيها بعض المحتجزين السوريين في ظروف قاسية، وأبدى ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي استياء من آثار التخريب في خيام اللاجئين جراء المداهمات والاشتباكات.
ونتوجه هنا بالشكر لبعض الدول العربية والغربية والتي أقحمت التنظيمات الإرهابية في حدائقنا الخلفية ليقوموا بقتلنا بلا سبب، لتستمر تلك الدول عبر تحالفات دولية وعربية بمسلسل قتل الشعب العربي بزعم القضاء على تلك التنظيمات المتطرفة !!
ومايزال موضوع علاقة بعض دول العالم مع التنظيمات الإرهابية عبر الممر الخلفي لمخابرات تلك الدول موضوع سجال عريض بين أطياف المثقفين والمحليين السياسيين العرب ، وذلك بحسب ولاء كل منهم ومرجعية الشيكات البنكية التي يتقاضاها.
ولايسعنا المكان والزمان هنا للإحاطة بجميع الجوانب التي تكشف العلاقة الوثيقة بين تلك الدول والتنظيمات الإرهابية، فقد تبحرنا في هذا الملف طويلا وعبر عدة مقالات سابقة، ولكن نكتفي بسرد مايلي:
1. كشف مؤسس موقع “ويكيليكس” جوليان أسانج في مقابلة له مع قناة روسيا اليوم عن أن رسائل هيلاري كلينتون كشفت تمويل قطر ودول أخرى لتنظيم الدولة، كما أن كلينتون اعترفت بذلك رسميا في إحدى رسائلها المسربة من بريدها بأن قطر تدعم التنظيم.
2. كما كشف تقرير لــ«نيويورك تايمز» في ٢ أكتوبر ٢٠١٤ ضلوع قطر فى دعم بعض التنظيمات المتشددة التى تعمل فى سوريا عن طريق بعض الأشخاص والجمعيات الخيرية التى تقوم بجمع التبرعات وتوجيهها لجماعات بعينها، على رأسها جماعة جبهة النصرة فى سوريا .
مع التنويه هنا، بأن العمليات العسكرية اللبنانية في منطقة عرسال تلاحق عناصر جبهة النصرة وتنظيم الدولة، على الرغم من وقوع أعداد من القتلى بين صفوف اللاجئين السوريين جراء تلك المعارك ، وهنا يبرز السؤال؛ هل تم دفع العناصر المتشددة إلى تلك المناطق من قبل الجهات الداعمة لها ليتم عقاب اللاجئين السوريين على مواقفهم ضد الأسد، وخاصة بعد صمت القوات اللبنانية وحزب الله على تواجد تلك العناصر الأرهابية في عرسال لعدة شهور أو سنوات ماضية ؟؟
وللإجابة عن هذا السؤال، يجب التيقن بأن مسار الحرب السورية قد اختلف تماما الأن، حيث أن انتهاء مرحلة الصراع بالوكالة والانتقال إلى مرحلة صراع النفوذ المباشر فرض وقائع سياسية وعسكرية مغايرة تماما للمرحلة السابقة، ومن ضمن تلك الوقائع الجديدة سعي الأطراف الداعمة لكل جهة بمعاقبة الحاضنة الشعبية للطرف الأخر .
ولذا، فالعملية العسكرية في عرسال وما يرافقها من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان حصلت على الضوء الأخضر من قبل القوى الأقليمية والدولبة بضرورة معاقبة اللاجئين السوريين ودفعهم إلى حظيرة الطاعة تحت وصاية الأسد أو غيره مستقبلا، وذلك ربطا بمصالح الدول الكبرى المرتبطة بمبدأ تقاسم الحصص على المدى القريب وحماية إسرائيل على المدى البعيد .
ولكن ماعلاقة معارك عرسال بالمهرجان العنصري العفن والتعنيف الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني ؟
والجواب على النحو التالي ..
فبينما تستأثر اهتمام الصحف العالمية أحداث الأزمة الخليجية وتطوراتها، وفصول معارك عرسال التي ترفع شعار القضاء على التنظيمات الإرهابية، وتواتر الأحداث الواردة من مدينة الموصل عقب القضاء على مركز قيادة تنظيم الدولة، تخفت أضواء الدم الفلسطيني !!
كما تحظى تلك الانتهاكات الإسرائيلية بتغطية ضيقة من قبل تلك الصحف العالمية، مما يحافظ على صورة إسرائيل وخاصة في ضوء تراجع شعبيتها في الأوساط الغربية الجماهيرية.
فخلافا للعادة مع الأنطمة العربية، يسعى الكيان الصهيوني لاختيار الأوقات المناسبة للقيام بأعماله الإجرامية بشكل لايتقاطع مع النظرة المترتبة لتلك العمليات في مفهوم الشعوب الغربية مما قد يؤدي إلى ضغط تلك الجماهير على حكوماتها لتخفيف الدعم للكيان الصهيوني.
وأعتقد بأنك عزيزي القارىء تستطيع الأن فهم الأسباب التي تدفع بالأزمات العربية دائما نحو المربع الأول، وانسداد آفاق الحل مرة بعد مرة !! فالدول الكبرى المعادية للشعوب العربية ترخي بظلالها على جميع الملفات لتضع المنطقة العربية في حالة شلل سياسي لايمكنها من رص الصفوف لمواجهة أطماع تلك الدول ، والدفاع عن نفسها ومقداساتها عند الضرورة، كالانشغال العربي الذي نلامسه الأن عن قضية الأقصى وهروبه نحو مشاكل لامبرر لها متناسين بأن من خلق تلك المشاكل الوقتية يسعى إلى إنشاء إشكاليات مماثلة في طريقها إلى التشكل بعيدة كل البعد عن عيون وآذان الجماهير العربية.
عزيزي القارىء، أعلم بأن بساط البحث شائك ومعقد وخاصة في ضوء ارتباطك الفكري والعاطفي مع معسكر سياسي ما من ضمن عشرات المعسكرات المنتشرة في الوطن العربي، ولكن الحالة المزرية التي وصلت إليها الأمة الإسلامية تستدعي وقفة مطولة مع الذات تؤدي بك في نهاية المطاف إلى اتخاذ موقف واضح وصريح من أستغاثات المسجد الأقصى المكبل بالأغلال الإسرائيلية، ويقع على عاتقك وحدك حرية الاختيار !!