بعد خمس سنوات من الأحداث السورية أصبح من الجلي أن تعرف موقفك تجاه ما يحصل، فمنذ بداية الثورة ظهرت ردات فعل الشعب السوري تجاه ممارسات القمع التي حدثت في المظاهرات السلمية، وبرز حينها النشطاء والثوار والمنددين بحكم الطاغية، وتشكلت أحزاب معارضة هشة المكون والمضمون ولكن ذلك لم يمنع ركب الثورة من المضي وضم كل من يحارب الاسد بموقف واضح.
تكون فيما بعد الجيش الحر من بذرة من الثوار الاحرار الذين دافعوا بشراسة عن مطالب الشعب السوري، وكانت تلك السنوات الأولى في الثورة تزخر بالثبات والتحدي ضد القمع.
لم يخلو ذلك من الساكتين من الشياطين الخرس!!
فكانوا يسبحون حسب التيار فتارة هنا وتارة هناك وأغلب الأوقات تراهم يترحمون على أيام زمان الهانئة وجملة واحدة ترافقهم ليل نهار (شو بدنا بالثورة كنا عايشين ومرتاحين).
الغريب في الموضوع أنه وبعد مرور الخمس سنوات ما زال هؤلاء الحياديون يتمتمون بنفس الجملة المشهورة، ويترحمون على ما مضى رغم أن ما جرى يجرمهم ويثبت أنهم تحالفوا مع الشيطان بصمتهم، فحتى هذه الأثناء يهنأ النظام في الكثير من المناطق التابعة لسيطرته برعاياه المثاليين الذين يباركون أمانهم الجزئي، ولو لم يعيشوه منذ سنوات.
بالنسبة للمعارضين فأولئك قصة أخرى تروى تفاصيلها بين أروقة الطاولات، والاجتماعات والخطب الرنانة، التي تصم الأذن وتتعب المتابع واللاهث وراء تحقيقهم لشيء مما يحلمون، شعارات واتفاقات لا تتمخض عن شيء إلا التهميش والإقصاء، ولم يحصد هؤلاء من مواقفهم وخطبهم إلا النبذ من الداخل والوعود الفارغة ممن يعولون عليهم خارجا.
ويعود هذا على التشرذم والتفرق، وعدم وجود بنية أساسية ودراسة سياسية للأحزاب المتصارعة فيما بينها، متناسية دورها الأهم وهو ضرب النظام في مقتل بالتنظيم ورص الصف السياسي والانتماء للثورة مضمونا لا قالبا، وقد شهد كل تكتل منهم الانشقاق والانفصال، وما كان للائتلاف إلا القشور والبدلات الرسمية والتي لا تساعد على تبني وجهة نظرهم في الدول الكبرى، والتي تلعب على الأرض لعبة فرق تسد وتنظر بعين الشامت لكل ما يجري بينهم.
على الأرض ورغم التحديات والتدخلات الخارجية في ضرب القوى الفاعلة في سوريا، بين تمويل التنظيمات المتشددة، وخيانات الكثير للثورة بعد تصفية الشرفاء وإقصاء البعض وحصد الأرواح لكل مخالف، يبقى هناك من يطلق عليهم (الثوار) إلى وقتنا هذا، الثوار الذين يعانون حتى اللحظة من هول المصائب من قصف وتهجير وذبح وتجويع، الثوار هم أهل سوريا الذين دفعوا كل شيء وحتى الآن لهم أمل بأن هناك نصر قريب لأن من يدفع الغالي يعرف أن الفرج قريب وأكيد، شعب سوريا بعيدا عن الفصائل والمعارضة والحياد، هم هؤلاء الثوار، الذين رفعوا شعار حريتهم بقلم مضرج بدمهم وصبرهم، ليس الثائر هو من يهتف بشعار رنان ويخطب ببدلة رسمية ويحمل سيفا وبندقية، الثائر هو من يحاربه الجميع لأن قضيته على حق، ولأنه شعب استحق الحياة بينما تآمرت أهل الأرض عليه.
ثوار سوريا في كل شبر ورقعة هم هؤلاء الأطفال والنساء والشيوخ العزل، هم المهجرون والمقتولون والمفجوعون، هم أهل سوريا وهم صناع الثورة، وآجلا أم عاجلا هناك حصاد!!
المركز الصحفي السوري ـ زهرة محمد