طوال ست السنوات الماضية من عمر الثورة السورية تكشفت آلاف الحقائق والأوهام كانت تغشى الأمة الإسلامية لعقود طويلة وربما لقرن كامل من الزمن، ما يثير الاهتمام أن هذه الأكاذيب والحقائق المغيبة والأكاذيب فضحتها الثورة السورية هي التي بأكملها بل كثير منها كانت بموجب العداء العميق بين أصدقاء المصلحة السياسية الظاهر ليس أكثر، فكانت الثورة السورية خيرا فكريا عميقا في جسم الأمة رغم أنها ظاهرا شرٌّ مستطيرٌ في صعيد البناء والمادة، من أولى هذه الأكاذيب-الحقائق:
إسرائيل عدوة للنظام ظاهرا
بعد أشهر من الثورة السورية تحركت الفعاليات الشعبية المنبثقة من رحم الثورة السورية في كافة قرى الجنوب السوري حتى تم الاتفاق على خروج واحدة من عجائب القرن العشرين عبر مظاهرة سلمية فلم يكن بين سوريا دولة الممانعة وإسرائيل العدوان (المحتل) شريط حدودي كثيف من الألغام لمنع التسلل الممانع إلى العمق الإسرائيلي المحتل.
بل كل ما هنالك هي مساحة من الفراغ الترابي العشبي يصلح لرعي الأغنام لا أكثر، وهذا تماما يمكن أن يبين حقيقة العلاقة بين الممانعة والاحتلال، وربما هذا ما يؤكد مقولة ياسر ناصيف الضابط العسكري الذي كان بإمرة حسن توركماني قائد سرية المدفعية في اللواء 90 “سقطت القنيطرة قبل سقوط القنيطرة” ما كلفه إمضاء بقية حياته العسكرية في مدينة جبلة شعبة الجيش الشعبي..
أما الكيان الإسرائيلي فهاهو ينعم على طول العقود الماضية ببرودة الحدود الشمالية التي كان يتوهمها الشعب السوري الحدود الوحيدة التي ماتزال ساخنة.
الممانعة والمقاومة حزب الله
أكد المقدم مصطفى خليل بريّز ضابط المخابرات السورية سابقا مؤلف كتاب سقوط الجولان أن المقاومة اللبنانية مشروع إقليمي تشرف عليه أكثر من جهة دولية منها سوريا وإيران وأياد خفية أخرى معظمها عربية، الهدف منها ليس أبعد من وظيفة حاجز ومنطقة أمان بين المقاومة السنية الحقيقية وخاصة من أبناء المخيمات الفلسطينية، والكيان الإسرائيلي، فحماية الحدود لا بد أن يكون مناطا بجهة مدربة مسلحة لها شرعيتها وشعبيتها الكاذبة في المنطقة.
العلاقة مع ايران علاقة طائفية بحتة
في منتصف 1991 كانت زيارة حافظ الأسد للاتحاد السوفياتي زيارة ساخنة لم تحتمل أكثر من أيام قليلة، بسبب خلاف حول مديونية سوريا لروسيا بأكثر من 13مليار دولار، الجدير بالذكر أن آخر كلمات الرئيس السوفياتي للأسد أنه يجب أن يبحث عن حليف استراتيجي جديد فلم يعد الاتحاد السوفييتي قادرا على دعم منطقة الشرق الأوسط كما كان، فتحولت الطائرة السورية إلى طهران، فأصبحت الحليف المستقبلي طوال السنوات التالية، والتحالف السوري الإيراني لم يكن أقل أهمية من التحالف الروسي بل ربما يزيد عليه بالمصالح الطائفية، والتاريخ العميق للاسترجاع الطموحات الفارسية وأقنعتها التالية كالفاطمية والحمدانية والقرمطية.
السيادة الوطنية
من أكثر المصطلحات التي عاشت تناقضا كبيرا خلال سنوات الثورة الست الماضية، فبقدر ما تم استخدامه والتغني به من النظام السورية وأذنابه بقدر ما غاب مع التدخل الإيراني ثم الروسي في سوريا، إذ غدا الشارع السوري، يتساءل من هو الناطق الرسمي للنظام هل هم الإيرانيون، أم الروس أنفسهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، حتى غدت وسائل إعلام رسمية وخاصة للنظام السوري تعلن أن سلاح الجو الروسي دمر واستهدف وقصف..
المثير للانتباه أن الاجتماعات الأخيرة والاتفاقات الدولية لم تعد تهتم بالجانب السوري فها هي المؤتمرات تعقد خارج أراضيها، والإعلان عن بنود الاتفاق بوسائل إعلامية خارجية لا سورية، حتى إن الطرف الآخر من الحرب السورية (فصائل المعارضة)أصبحت أكثر حضورا في المؤتمرات والمفاوضات الخارجية من النظام السوري، لنقرأ البند الرابع من اتفاقية اجتماع كل من روسيا وإيران وتركيا ” 4- إن إيران وروسيا وتركيا ترحب بالجهود المشتركة في شرق حلب، والتي من شأنها أن تسمح بإجراء إجلاء طوعي للمدنيين وإخراج مسلحي المعارضة من هناك”.
ثلاث دول تفرض حضورها على الأحداث الميدانية في مدينة سورية تحت سيطرة النظام، هذا واحد من الأمثلة الكثيرة لتصريحات وإعلانات دولية وإقليمية لم تنظر إلى مصطلح السيادة الوطنية السورية لا من حيث المفهوم ولا حتى من حيث التصريحات السياسية الرسمية، غابت سوريا عن الاجتماع كغيابها عن الفاعلية العسكرية في الداخل أو السياسية في الخارج، وعاد النظام السوري مجرد أجندة أدى دورة في سيناريو اللعبة الدولية ليس غير، والمؤشرات العامة الآن تدل على قرب انتهاء الدور التمثيلي للنظام ورموزه الوهميين، ولن تطول بعدها المرحلة لنشهد انتهاء فصول المسرحية السياسية، كما وصفها بوتين لوليد جنبلاط في أقصر اجتماع سياسي في القرن الواحد والعشرين، ولا ضير في أن نعرج على ذلك على سبيل الاستشهاد بفقدان السيادة الوطنية لدول أخرى تشترك مع سوريا بلعب أدوار الممثلين على اختلاف السيناريو المطلوب، إذ بعد أكثر من 2.40 ساعة من انتظار جنبلاط لبوتين في الصالة القيصرية العريقة بموسكو، كان اللقاء بجملة واحدة من بوتين “تنحّ جانبا عن حفلة الرقص في سوريا فما تزال في بدايتها”.. ومن ذلك التاريخ لم يكن لجنبلاط حياة سياسية، غابت تصريحاته السياسية كغياب مثيلاتها السورية.
مجلة الحدث السوري- علاء العبدالله