” تصوبت بضربة طيارة قدام بيتنا واستشهد عمي وراحو رجليي”.. عبد الحليم طفل عمره ثمانية سنوات أصيب إثر إلقاء برميل من طائرات تابعة للنظام أمام منزله، يعاني اليوم من بتر ثنائي الجانب في طرفيه السفليين.
توقفت حياته في ذلك اليوم لم يعد ذاك الطفل الذي همه مدرسته ورفاق الحي.. ليعايش الآن جلسات علاج مكثفة لتدريبه على طرفيين صناعيين يقضيان بعض احتياجاته وينوبان بالحركة عما فقده.
يتراوح عدد المعاقين بسبب الحرب وفقا لإحصائيات النظام السوري مليون ونصف معاق فقدوا عضوا من أعضائهم بحسب “حسين نوفل” رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي الذي أعلن تلك الإحصائية لصحيفة الوطن في تشرين الأول 2015.
في حين أصدر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية تقريرا عام 2014 قال فيه: “إن الحرب التي يشنها النظام في البلاد خلفت نحو 270ألف إعاقة دائمة”.. بينما لم تصدر إحصائية دقيقة موحدة عام 2015.
جهيدة أم لأربعة أطفال سمعت ذات يوم أصوات الطائرة ودفعت بأطفالها للبرية؛ للاختباء ليرسلوا جمعا إلى الأخرة ” الحمد لله ، الله عطاني الصبر الأربعة قدامي ماتوا وشوفي شو صار بحالي بشوفن عند الله”.. “وكمان أنا تصاوبت انبترت أيدي وصار عندي كسور كتيرة بجسمي وقت فقت بالمشفى كنت بدون إيد وبدون ولادي”.
” كنت بتركيا أنا وولادي وزوجي عشنا سنة تقريبا فيها. هديت الأوضاع بمنطقتنا بسوريا وطلبت من زوجي ننزل على بيتنا، وفعلا جهزنا أغراضنا ونزلنا كلنا، ورجعنا على بيتنا.. كان ولادي يروحوا كل يوم ع المدرسة، ابني الكبير ما شاء الله عنه كتير شاطر.. يا حسرة ما لحقت أفرح برجعتنا.
كنا بيوم قاعدين بالبيت سمعنا صوت الطيارات، وكنا كلنا مجتمعين خفت، وقلت للولاد طلعوا ع البرية بسرعة، وطلعوا.. بس الطيارة اجت أسرع وضربت البيت، وراح كل شي بملكه قدامي، وتصاوبت..
شفت ايديّ التنتين مقطوعين وغبت عن الوعي، وقت صحيت بسيارة إسعاف ورجعت غبت عن الوعي، ولما فقت مرة تانية كان أغلب جسمي مضمّد، إيدي مقطوعة من فوق الكوع، إيدي التانية مخيطة وملفوفة كلها، رجلي مكسورة وقصرانة ومجبرة وكل جسمي عم يوجعني.
سألتن عن ولادي والي صار: قالولي إني بتركيا بالمشفى، وحكولي عن وضعي الصحي، وأنو ما لازم انفعل، وبوقتا خبروني إني خسرت ولادي الأربعة بالضربة وبيتي، وكل شي فيه.. الحمدلله هيك الله كتب..
اليوم عم أتعالج طبيا وفيزيائيا.. عملت كتير عمليات تصحيح للإيد التانية ورجلي، وعم أعمل تأهيل فيزيائي؛ لأتدرب على طرف اصطناعي وحاول اتأقلم مع وضعي الجديد”.
أبدلت أمومتها بالفقد وواجباتها كربّة منزل، بذهابها دوريا إلى المشافي للحصول على طرف صناعي وترميم ما تأذى من جسدها.
تدمع عين جهيدة وتشحب ملامح وجهها لتقول “بدي انزل على سوريا بلكي بصير عندي ولاد، والله بعوضني .. بس بدي اتعلم اشتغل فيّن لوحدي ما بدي احتاج حدا يساعدني.. هيك صار وضعي ولازم أعرف كيف عيش معه “.
جهيدة تزرع الأمل بالحياة والاستمرارية رغم جميع ما مرّ معها.. أراها مرارا تحادث النسوة في باحة انتظار المرضى في ذاك المشفى، تخبر الجميع بقصتها، فقدها وعجزها، وأيضا زواج زوجها عليها من أخرى.. ليروا صغر معاناتهم أمام عظيم الخطب الذي وقع عليها.
بكت مرارا أثناء جلسات علاجها بشكل لا يدع كلمات مواساتك تخرج أو تنفع.. ماذا ستقول وهي أم لأربعة شهداء تعاني بترا وعجزا في جسدها بأكمله؟؟
جهيدة لم تطق صبرا على الانتظار في تركيا غادرتها على عجل، كانت قالت في آخر حديث لها وهي تبكي محمرة العينين راجفة اليدين .. ” عم اشتقلن مع الوقت أكتر ما عاد بدي أنطر يجي الطرف الصناعي، (كلن كذابين) بدي انزل على بلدي”.
عبد الحليم متضرر آخر ببتر أطراف، تعلم اليوم أن يقود دراجة رباعية باستخدام ذكائه وطرفيه الاصطناعيين، ليقيل ذاك الصديق الكبير المشلول من وإلى مركز المعالجة ليساهم بخدمة بسيطة وفق ما تبقى لديه لعلاج صديقه.
في حديث أجري معه عن طموحه مستقبلا أجاب “بدي اتحسن وصير مقاتل وآخد تاري من الي قصفوني وقطعولي رجلي”..
طموح يفوق طفولته بأشواط وحياة جديدة أبعد ما تكون عن طفل يبلغ الثامنة من العمر..
المركز الصحفي السوري – يارا تامر