رغم الخطورة الناتجة عن القصف العشوائي للنظام السوري، يرفض أغلب المسنون فكرة النزوح الى مناطق أكثر أمناً، مفضلين البقاء في مساكنهم وقراهم، مع عدم وجود من يهتم بهم ويرعاهم سواء من الداخل السوري أو الخارج.
حتى إن منظمة (help age) التي تعنى بأوضاع المسنين عبر العالم، وضعت قائمة تشمل 96 دولة كأفضل دول العالم رعاية للمسنين، بينما تجاهلت معاناة المسنين في سوريا ورسوخهم تحت ويلات الحرب.
أسباب عديدة دفعت بهم الى رفض النزوح، منها، أن لهم احتياجاتهم الصحية والاقتصادية الخاصة، أو بحكم العمر المتقدم أصبح لديهم ألفة للمكان من الصعب التخلي عنه أو نسيانه.
الحاج “محمد” بلغ من العمر 80 عام من أهالي قرى جبل الزاوية، رفض النزوح الى الشمال السوري مع أولاده، وعن ذلك يتحدث ابنه الأصغر: “اشتد القصف على القرية في الأشهر الأخيرة وأصبح من الخطورة البقاء في القرية، فقمت بتأمين عائلتي المكونة من تسعة أولاد في الشمال حيث القصف أقل، وعندما قررت أخذ والدي معي جاء رده بالرفض القاطع وأنه لا يستطيع ترك المنزل والقرية فهما أنسته وأمانه، وعندما صعدت مع عائلتي بالمركبة أجهش بالبكاء وقال “أين تذهبون وتتركوني” فقلت له سأضع الأولاد ثم أعود للبقاء معك وفعلاً كان ذلك”.
البقاء في مسقط الرأس ليس من أسبابه ألفة المكان فقط، بل هناك أسباب صحية كنتيجة طبيعية للتقدم في السن تمنع المسنين من التنقل من مكان لآخر، فيجبرون على المكوث في المنزل رغم القصف والدمار المحدق بهم.
الحاجة “زينب” أم لخمسة ذكور قتل جيش النظام أحدهم خلال مداهمة القرية، بلغت من العمر 82 عام حدثتنا عن وضعها الخاص بالقول: “لقد كسرت قدمي من المفصل منذ ست سنوات أجريتُ عدة عمليات جراحية لم تنجح ما سبب لي عجزاً دائما فلا أستطيع السير، أثناء الغارات الجوية”.
وتضيف:” أخاف كثيرا الجميع يركضون الى الحفر والملاجئ، أما انا لا أستطيع، وأجد صعوبة عند التنقل بسبب وزني الزائد بحيث احتاج لثلاثة رجال من أولادي ليحملوني”.
إن التفاعل الاجتماعي للمسنين هو الحي القديم الذي يسكنون فيه فهو مجال جيد للقاء مع أقرانهم المسنين وخاصة أن ذكرياتهم مرتبطة بهذا الحي وساكنيه.
تشتكي أم “محمد” من صعوبة الأيام التي تمر بها بالقول: “لدي ولدان وقد سافرا الى لبنان بقيت مع زوجي ذو 90 عاما وحفيداي، منذ فترة استشهد أحدهم بمعركة تحرير جسر الشغور وبعدها بقرابة الشهر استشهد الآخر بحلب، لم يبقى لنا إلا من بقي من الجيران في الحي فهم يساعدوننا على مرارة الأيام”.
قصص المسنين ومعاناتهم كثيرة، ولكن الأكثر من ذلك صمودهم وتشبثهم بالأرض، فالنزوح عندهم هو الموت بذاته.
المركز الصحفي السوري ـ محمد الصباح