أطلقت هيئةُ ميثاق شرف للإعلاميين السوريين لجنة الشكاوى لتنظيم القطاع الإعلامي السوري ورفع جودة المحتوى الصحفي وتعزيز الصلة بين الجمهور ومؤسسات الإعلام، وأتاحت للجمهور مُساءلةَ المؤسسات ومراجعة المحتوى المنشور، في خطوة إيجابية تُضاف لسلسلة الخطوات التي تقوم بها هيئة ميثاق شرف لتطوير قطاع الإعلام المستقل.
لجنة الشكاوى بين الأهداف وإمكانية التحقيق
شكَّلت هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين لجنةَ الشكاوى في 15 يناير 2022، وأُطلقت عملها في 2 فبراير من نفس العام ،
ويعدُّ نظام الشكاوى دليلًا مهنيًّا لإلزام وسائل الإعلام بمدونة سلوك مهني ناظمة لشكوى كلّ متضرّر من أيّ خرق أو انتهاك لأخلاقيات الصحافة قد تقع فيه المؤسسات الإعلامية السورية في محتواها الإعلامي.
وضعت هيئة ميثاق شرف نظامًا داخليًّا ومدونة سلوك مهنية لتوضيح مهام نظام الشكاوى وآلية التحقيق في الشكاوى المتعلقة بالمحتوى الصحفي المنشور على وسائل الإعلام السورية المستقلة، وإصدار التقارير المتعلقة بتلك الانتهاكات، وأخذت على عاتقها مهمّةَ تدريبِ لجنةٍ مستقلة لمتابعة القضايا الخلافية التي قد تحدث في قطاع الإعلام، بالإضافة لبرنامج توعية وإرشاد مهني للصحفيين والمؤسسات.
وأكدت أن نظام الشكاوى لا يتعارض مع حرية الصحافة أو يعرقل حرية الصحفيين في الاطّلاع على المعلومات ونشرها وتحليلها، أو عدم الإفصاح عن مصادر معلوماتهم لمبررات مهنية.
تختص لجنة الشكاوى بمعالجة أيّ شكوى مقدّمة ضد أيّ مؤسسة من المؤسسات الموقعة على ميثاق شرف للإعلاميين السوريين، يرى فيها مقدّمُ الشكوى أنّها تنتهك مهنيًّا أخلاقياتِ العمل الصحفي سواء من خلال تناولها خطابًا يحضّ على الكراهية أو يحرّض على العنصرية أو أنها تنتهك خصوصيته أو أيّ انتهاك أخلاقي آخر.
وبدأت هيئة ميثاق شرف بتفعيل عمل لجنة الشكاوى واستقبال شكاوى الجمهور ومعالجتها وفق المعايير التي وضعتها، وعن هذه الشكاوى يقول مدير عمليات ميثاق شرف الدكتور “ملحم العبد الله” للمركز الصحفي أنه قد وردت للجنة شكوى من شخص تتعلق بإغلاق حسابه على موقع فيسبوك وقد أُهملت لعدمِ الاختصاص وعدمِ تقديم بيانات التواصل مع الشاكي.
كما وردت شكوى بحق وسيلة إعلامية عضوة في هيئة الميثاق، يدّعي فيها الشاكي أن المؤسسة خرقت ميثاق الشرف والبنود التالية من مدونة السلوك: الدقة والصحة والوضوح إضافة لخرق الخصوصية والتسبب بالإيذاء وعدمِ احترام كرامة الضحايا،
ودرست اللجنة الشكوى وقررت قبولها شكلاً وأجرت التقييم الأولي وتمت معالجتها أصولًا وإبلاغ طرفي الشكوى بالنتيجة.
تعدُّ اللجنة ضابطًا مهمًّا للسياق الإعلامي السوري المستقل من أجل إعلام أكثر مهنية والتزامًا بالمعاييرِ الأخلاقية التي تتطلّبها المهنة، إعلام يبحث عن الحقيقة ويهتم بخدمة الناس عن طريق توفير المعلومات في الفضاء السوري.
وفي هذا الإطار جاءت اللجنة كإحدى آليات الشفافية والمحاسبة الذاتية، من أجل تقييم أدائها العام ومحاولة الوقوف عند التجاوزات التي قد تحدث أثناء سير العمل ومراجعتها والاستفادة من تجارب المؤسسات بعضِها من بعض، وهذا ما أشار إليه رئيس تحرير جريدة حبر الأستاذ “أحمد العبسي” للمركز الصحفي بأنّ اللجنة هي إحدى أهم الآليات لجعل المحتوى الإعلامي شفافًا وذا مصداقية لجمهور الإعلام المستقل، ويرى العبسي أن عمل اللجنة لا يزال ضعيفًا.
ولكن ما مدى فعالية اللجنة على صعيد الإلزام القانوني للمؤسسات المستقلة؟ يقول الباحث السياسي وفي قضايا الإعلام الدكتور بشار نرش أن قرارات اللجنة ذات طابع أخلاقي وأدبي فقط ولا يترتّب عليها أيُّ إلزام قانوني أو مالي أو إداري.
وحول فعالية عمل الشكاوى والتفاعل معها قال: “للأسف حتى الآن وعلى الرغم من مرور قرابة ثمانية أشهر على إطلاق لجنة الشكاوى إلا أن اللجنة حتى الآن لم تتلق إلا عددًا قليلًا من الشكاوى، أغلبها لا يدخل في صلب اختصاصها وعملها ويرجع ذلك لغياب ثقافةِ الشكوى وضعف التسويق للجنة”.
يتطلّب عملُ لجنة الشكاوى جهدًا مضاعفًا من قبل إدارة الميثاق وكذلك من قبل مختلف المؤسسات السورية بما فيها المؤسسات الإعلامية المنضوية تحت سقف هيئة الميثاق، أو حتى منظمات المجتمع المدني باعتبارها شريكًا مهمًّا لوسائل الإعلام للترويج للجنة الشكاوى وعملها وآلية تلقي الشكاوى وفائدة هذا الأمر ليس على طرفي الشكوى فحسبُ أو حتى على الإعلام السوري، وإنما على جميع المؤسسات.
ومن الجدير ذكره أنّ السعي لضم المزيد من المؤسسات الإعلامية المستقلة للميثاق مهمٌّ لتوسيع دائرة العمل والتصويب لعمل لجنة الشكاوى من أجل ضبط المحتوى الإعلامي، وإشراك الجمهور في العملية الإخبارية وتعزيز التواصل، والذي بدوره سينعكس إيجابًا على تعزيز الثقة بين الجمهور ومؤسسات الإعلام المستقل.
تقول عضوة لجنة الشكاوى الدكتورة “هلا ملاح” للمركز الصحفي إنّ وجودَ لجنة الشكاوى في الميثاق الذي يضم 22 مؤسسةً إعلاميةً أمرٌ ضروري لتنبيه الجمهور لإمكانية بتصويب أي خطأ إعلامي، وتفادي القدح والذم في المؤسسات إلى أسلوب راقٍ وحضاري عبر الشكاوى. وذكرت الملاح أنّ الميثاق يسعى لضم المزيد من المؤسسات الإعلامية المستقلة.
جدوى عمل اللجنة في واقع لا تحكمه قوانينُ سارية
منذ نحو نصف قرن لم تظهر في سورية مؤسساتٌ إعلاميةٌ مستقلة بعيدة عن تحكّم النظام السوري بها، واتباعها خطًّا تحرريًّا مستقلًا، بعد ثورة 2011 نشأت عشراتُ المؤسسات الإعلامية لكنّ عملها اقتصر على المناطق المحررة من سلطة النظام، وفي الدول المجاورة كتركيا التي أصبحت ملجأً لانطلاق عمل إعلامي منظّم ومستقل، ولكن لا تزال المظلةُ القانونيةُ الدولية الناظمة لعمل هذه المؤسساتِ ضعيفةً، وبالتالي تقتصر المحاسبةُ على الأدبية منها والأخلاقية.
وهذا ما أكده رئيس تحرير موقع بلدي نيوز الأستاذ “صالح العبد الله” للمركز الصحفي أنه يمكن اعتبار وجود لجنة شكاوى وميثاق شرف كناظم سلوكي إعلامي خطوة جيدة، فوجود حيز مؤسساتي منظم وقانوني في بيئة مضطربة قد لا يكون تأثيره كبيرًا، لكنه يذكر ويشير إلى المخالفات والتجاوزات وإن غابت المحاسبة، لكن يومًا ما سيكون هناك مراجعةٌ لما تمت الإشارة إليه سابقًا.
قد يعطي طولُ فترة النزوح والتهجير للسوريين تصوُّرًا أن الأطرَ القانونية للصحافة المستقلة غيرُ متوفرة، ولكن بوجود لجنة الشكاوى في ميثاق شرف، فإنها ستضعُ حدًّا للتصوّرات الخاطئة وتؤسّس لتصحيح المسار الإعلامي نحو فضاء مهني وانضباط أخلاقي في المنتج الإعلامي.
تبدو لجنةُ الشكاوى إحدى أهمِّ اللجان المنبثقة عن الميثاق لتطوير النقد الحضاري للمنتج الإعلامي، وتعزيز العلاقة بين مؤسسات الإعلام المستقل والجمهور، ورفع مستوى الالتزام الأخلاقي وتعزيز المحاسبة القانونية لأيّ انتهاك، لكن الإقبال المتواضع على
نظام الشكاوى حتى الآن يقود بالواجب للقائمين على ميثاق شرف لإيجاد استراتيجيات وأطر قادرة على تفعيل اللجنة بشكل أوسع، ونشر ثقافة المساءلة والمحاسبة من قبل الجمهور، خاصة مع غياب أطرٍ قانونية سيَّارة عليها، وهذا سيأخذ بمؤسسات الإعلام السوري المستقل إلى مستوى مهني، ملتصق بقوة بجمهوره، مستمدا تأييدا أعلى وثقة أقوى.
تقرير/ محمد إسماعيل