ركز المحللون على مثالب التدخل الروسي في المسرح السوري، فأشاروا إلى المشكلة الاقتصادية الروسية العميقة المتفاقمة بسبب تدني أسعار النفط، وهو ما يثير السؤال حول مدى قدرة روسيا على تحمل التكاليف العسكرية لهذا التدخل على المدى الطويل.
لكن الجانب الذي لم تعطه الدراسات حقه بشأن التدخل الروسي في الأزمة السورية هو التداعيات التي يمكن أن تواجهها الحكومة الروسية مع مسلمي بلادها، حيثُ تعتبر موسكو حالياً أكبر المدن في أوربا من حيث عدد السكان المسلمين فيها (حوالي 1.5 ــ 2 مليون مسلم من إجمالي عدد سكان موسكو البالغ 13 مليون). لذلك يتجنب الرئيس فلاديمير بوتين والقادة الروس الانحياز إلى أي طرف في الصراع السني ــ الشيعي، لأنهم يدركون بأن هذا الانحياز سيؤدي إلى إثارة ردات فعل عنيفة لدى المسلمين الروس.
بين الإسلام وروسيا تاريخ عريق
تعتبر روسيا من البلاد الإسلامية، فقد سبق الإسلام المسيحية غلى روسيا، والإسلام هو الديانة السائدة بين التتار في منطقة فولغا وبين عامة الناس في منطقة شمال القوقاز. كما أن لهذه الشعوب المحلية السنية تُراثاً عريقاً ولهم أيضاً تاريخ وتجارب دينية خاصة، فقد أطلقَ التتار حركة إصلاحية في القرن التاسع عشر تحولت فيما بعد لفكرة (الإسلام الأوروبي) وهي عقيدة تقدمية تنافس الأرثوذكسية الروسية وباقي الطوائف المسيحية.
وقبل سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي، كانت مناطق وسط أسيا وجنوب القوقاز جزءاً من هذا الاتحاد، وكانت ديموغرافية الاتحاد السوفيتي في تغير مستمر. وكانت المجموعات العرقية المسلمة في تزايد بسبب كثرة عدد الولادات في مناطق وسط أسيا، في حين أن السلاف “الأرثوذوكس” من سكان روسيا و روسيا البيضاء وأوكرانيا، كانوا يتناقصون بسبب ارتفاع معدلات الوفيات وانخفاض معدلات الولادات. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي تضخم عدد السكان المسلمين في روسيا بسبب هجرة العمال من مناطق وسط آسيا وأذربيجان، واعتناق البعض للدين الإسلامي بعد انتهاء حالة الإلحاد المفروضة من قبل النظام السوفييتي.
مشكلة المقاتلين الأجانب
تمثل الحروب الدينية في الشرق الأوسط وتعاطي روسيا معها مشكلة لا يستهان بها للكرملين، فقد انجذب آلاف المقاتلين الأجانب من روسيا ومن مناطق وسط آسيا وجنوب القوقاز لرسائل تنظيم الدولة الاسلامية وغيرها من الجماعات المتشددة. وقد أشارت رويترز في تقرير حديث لها إلى أن روسيا قد سمحت بل وشجعت المسلحين المتطرفين في شمال القوقاز للذهاب والقتال في سورية عام 2013، وذلك حتى تبعد خطرهم خارج روسيا في ظل احتمال تنفيذهم هجمات إرهابية في وقت الألعاب الأولمبية عام 2014 في مدينة سوشي. إلا أن الكرملين يخشى الآن من احتمال رجوع هؤلاء المقاتلين من سورية بتطرف أكبر وحماس أكبر إلى منطقة شمالي القوقاز وباقي مناطق روسيا.
لذلك يبدو أن بوتين ينوي التخلص من هؤلاء المقاتلين قبل أن تتاح لهم الفرصة للعودة، فبوتين من خلال تجاربه وعمله في مخابرات الاتحاد السوفيتي وفراءته للتاريخ الروسي لا يميز بين الإرهابيين، كل من يحمل أفكاراً تمثل أساساً لممارسة العنف ضد الدولة الشرعية (وزعيمها) إرهابي يجب محاربته. وتمثل سوريا جبهة حاسمة في التمسك بهذا المبدأ.
مهمة طويلة الأمد
يؤكد لنا ما سبق أن بوتين يرى في تدخل بلادهِ في الصراع السوري مهمة طويلة الأجل، ويعزز هذه القناعة أنباء إنشاء روسيا قاعدة حربية جديدة لها في مدينة تدمر وسط سوريا. إذ يبدو بأن بوتين، بعد مشاهدته للولايات المتحدة وهي تعود إلى ميادين معاكها القديمة في العراق وأفغانستان لمواجهة خطر المتطرفين، يريد التحضير لأي حالة طارئة، وإبقاء كل الخيارات مفتوحة.
وختاماً فإن حرب روسيا مع المتطرفين ما تزال في بدايتها في سورية التي أصبحت ميدان الحراك الدولي الرئيسي والتفاعل الدبلوماسي والعسكري مع الولايات المتحدة في المنطقة، لكنها تمثل أيضاً عنصراً حاسماً بالنسبة لبوتين في ضبط شؤون البيت الداخلي الروسي.
– POSTED ON 2016/06/01
POSTED IN: مقالات وتحليلات