أصدر مركز “صدى للأبحاث واستطلاع الرأي” تقريره حول تسرب الأطفال في سوريا من التعليم إلى سوق العمل.
وأجرى المركز استطلاعاً للرأي بداية شهر تموز الماضي، وعلى مدى شهرين، إذ التقى المركز 500 طفل تتراوح أعمارهم بين 12 و16 سنة، في خمس مدن سورية، هي إدلب وحلب ودمشق درعا والسويداء.
كما التقى الفريق بـ 500 عائلة، لديها أطفال تسربوا من مؤسسات التعليم، ليوفروا القوت لعوائلهم المعوزة أو يشاركوا في توفيره.
وخلصت إجابات الأطفال وذويهم إلى نتائج مؤلمة حول مدى الكارثة التي حلت بالطفولة في سوريا، وكيف يدفع الأطفال الأبرياء ضريبة الحرب مرتين، مرةً حين سلخته الحرب من بيئة التعليم الطبيعية التي ينعم بها معظم أطفال العالم، ومرة تالية حين سيكبر في هذا الوسط السيئ وتدفعه الحياة في اتجاهات غير حميدة، فجميعنا يعلم ما تزرعه بيئة الشوارع والأعمال ذات الظروف الاستثنائية في هذه الكينونة الغضة والضعيفة.
وقال محمد برو، مدير مركز “صدى”: إن الصورة التي خلص اليها الاستطلاع من مواقع الأطفال المنخرطين في بيئة الأعمال الرديئة والخطرة والتي تزجّ بهم في زوايا ضيقة ستفضي بهم على الأرجح للجنوح إلى عالم الممنوعات والاستغلال بشتى صنوفه.
يذكر أيضاً أن العديد من الأطفال الذين تمت مقابلتهم كانوا شديدي البؤس والحزن والعجز، ويحلمون بيد تحنو عليهم وتنتشلهم من هذا الواقع القاسي والسيئ، وقد بكى بعضهم وهو يشرح أسباب تركه للمدرسة وابتعاده عن رفاق الصف واضطراره للنزول إلى عالمٍ بعيدٍ كلَّ البعد عما يجب أن يكون عليه، وهو مدرك أن ما ينتظره مستقبلاً لن يكون أفضل حالاً.
بعضهم بلغ الثامنة عشرة من العمر، لكنه بدأ رحلة الشقاء والعمل منذ تسع سنوات حين كان في التاسعة من عمره، وبعضهم لم يتجاوز العاشرة بعد، ألجأتهم ظروف الحرب في سوريا، إلى الخروج من المدارس، والتسرب إلى سوق العمل التي تستغل عوزهم، ليكونوا عوناً لأسرهم التي فقدت معيلها، أو عجز ذلك المعيل عن توفير ما يحتاجون إليه، من مأكل وملبس وضرورات لا بد منها.
تراهم الآن في أسواق العمل يعملون بأجرٍ زهيد، دون أية حماية سواءً من المخاطر أو الاستغلال، وتراهم في الشوارع وفي الزوايا يحملون ممنوعات صغيرة، يبيعونها لمن هو أكبر سناً، وكثيراً ما يذهب بعضهم ضحيةً رخيصةً لهذه الأعمال، فإن ألقى الأمن القبض عليهم، انتقلوا من عالمٍ متوحشٍ إلى عالمٍ أشد ظلماً وتوحشاً.
يؤكد الاستطلاع أن معظم الأطفال انحدروا إلى سوق العمل بسبب غياب المعيل أو عجزه، وأن للحرب الدائرة الدور الأكبر فيما آلت إليه الأوضاع، وتصدمك النتائج فنسبة 58% من هؤلاء الأطفال لم يتح لهم دخول المدرسة أصلاً.
كما أنَّ ظروف العمل مغرقة في الرداءة والاستغلال فمعظمهم 59% يعملون سبعة أيام في الأسبوع ويتجاوز عمل معظمهم العشر ساعات يومياً 66%، كما ترتفع نسبة من يتعرض للعنف منهم في أثناء العمل، سواء العنف الجسدي أو النفسي.
ويبقى حلم الأغلبية منهم 64% العودة إلى مقعد الدراسة فور توقف الحرب وعودة الأمور إلى نصابها، بينما سيستمر شطرٌ منهم 29% في العمل الذي غدا شيئاً لصيقاً بحياته.
وختم التقرير بالقول إن نفوس هؤلاء الأطفال التي مزقتها الحرب ونتائجها المستمرة ستكون عصيّةً على التماثل للشفاء، وسيكون علينا جميعاً أن نبدأ من الآن لوقف هذا النزيف الخطير الذي سيكون وبالاً علينا جميعاً إن هو استمر على هذا النحو المؤلم.
نقلا عن تلفزيون سوريا