ضحايا الحرب السورية ليسوا قتلى أو جرحى أو لاجئين فقط، بل هنالك أطفال ومراهقون أضحوا بدون آباء أو أمهات، وآباء مقهورون لفقدهم فلذات أكبادهم وأصبحوا عرضة للدمار النفسي والاكتئاب، أما الأطفال فإنهم يتعرضون للكثير من الاستغلال من قبل الآخرين، خاصة في أماكن العمل كون بعضهم أصبح معيلا لأسرته.
ولأن الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى، حيث يسهم الوالدان في رسم معالم شخصيات الأبناء وطريقة سلوكهم، فكان لغيابهم أثرا كبيرا في بناء شخصياتهم، وإن الأم غير قادرة على متابعة المراهق وكيفية معاملته مثل الأب، خاصة خلال الأزمة حيث انقطع الكثير منهم عن المدارس ووسائل اللعب والتسلية التي تسهم ببناء شخصيته.
ترك الآباء خلفهم أولاداً هم بأمس الحاجة لوجودهم قربهم وتعليمهم من خبرتهم وسلوكهم، خصوصاً وهم في مرحلة المراهقة، هذه المرحلة التي يريدون فيها تحقيق استقلالهم وتشكيل هويتهم وتكوين أفكارهم الخاصة بهم.
تروي والدة يزن وهو شاب مراهق من ريف حلب توفي والده في قصف طائرات النظام على بلدته وأصبح معيلا لأسرته: ” كل يوم يقول لي يزن أنه ترك العمل بسبب مشاجرته مع صاحب العمل ويبدأ مجددا في رحلة البحث عن عمل آخر، كما يسهر بالحي لساعات متأخرة مع مراهقين مثله، أخشى عليه من أن يحمل سلاحا فليس لدي ولد آخر”.
ينصح أطباء نفسيون أن تحاول الأم أو الأب التقرب من المراهقين والتعايش مع أفكارهم ومشاعرهم المتأججة، حتى يتجاوزوا هذه المرحلة بأمان، لكن هذا الأسلوب بات صعبا في ظل مأساة الحرب وسوء ظروفها.
لارا طالبة في الثاني الثانوي من ادلب تشتكي أمها ومديرة المدرسة من انعزالها وانطوائها على ذاتها، منذ أن فقدت والدها إثر جلطة قلبية، كما أنها تبكي بشكل يومي وتراجعت كثيرا في دراستها، مع أنه مر عام كامل على وفاته حسب ما قالت والدتها ليلى.
بينما في دول اللجوء يقول خالد والد أحد اللاجئين في هولندا: ” لا أستطيع السيطرة على تصرفات ابني المراهق في اتباعه عادات الغرب من سهر حتى ساعات متأخرة وأصبح يتعاطى المخدرات “.
أما عن الآباء والأمهات الذين فقدوا فلذات أكبادهم، لازلت مخيلتهم تحمل صورا لأشلائهم أو ربما بانتظار أبناء ماتوا لازالوا يظنون أنهم أحياء في المعتقلات، الأمر الذي سبب جرحا عميقا في نفوسهم لا يمكن للعقل تحملها أو استيعابها مما يتسبب في تدهور وضعهم النفسي، خاصة الأمهات فتجد معظمهن على أعتاب المقابر وأخريات فقدن عقولهن.
أم بسام والدة لشهيد من داريا، تروي جارتها لمياء عنها: ” تقضي أم بسام معظم وقتها في المقبرة وتتحدث إلى ابنها في قبره وكأنه يسمعها، وفي أيام الأعياد تخرج لتشتري له ثيابا جديدة، ثم في اليوم التالي توزعها لأبناء الحي، كان الله في عونها”.
حكايا الوجع السوري مستمرة في حرب طاحنة منذ خمسة أعوام، لم يكن ضحيتها الكبير والصغير الحي والميت، النبات والحيوان وحتى الحجر، بل كان ضحيتها وطن بدون آباء وأبناء.
المركز الصحفي السوري ـ سلوى عبد الرحمن