خلف القضبان – مجلة الحدث العدد 25 تشرين1/أكتوبر
(الظاهر أنتي رح تعذبينا كتير أكتر من رفيقتك يلي حكت عنك كل شي وقالت شو كنتوا تعملوا سوا ووين كنتو رايحين ولشو عم تخططوا وعم تحاول تبري حالا وتورطك)
تسمرت في مكاني ودُهشت, ماذا يقول هذا الرجل وأي مصيبة وقعت بها ؟؟؟؟؟بالتأكيد هو يكذب فأنا لا أعرف تلك الفتاة من قبل ….بدأت أشعر أن الأمور في تعقد مستمر وأنني في ورطة كبيرة ووضع لا أحسد عليه.
أجبته بصوت مرتجف: (لم نفعل شيئاً ولن نفعل صدقني )…
سمعت صوت هاتفي يرن …نعم إنه هو هذه هي نغمة الرنين خاصتي , لكنني لا أجده فقد أخذوا كل شيء, لا شك أن المتصل هو أحد أفراد عائلتي …بدأ قلبي يخفق بشدة مع استمرار رنين الهاتف وذاك المحقق يحملق بي وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة صفراء وكأنه يقول لي لن تسمعي صوت أي أحد من عائلتك بعد اليوم ….
بدأ الهاتف يرن للمرة الثالثة وقلبي يرتجف أكثر فأكثر , قلت له : (أرجوك بدي أعرف مين عم يتصل فيني )
قال لي بسخرية : (أي مو تكرم عينك أماني خانم )
أخرج الهاتف من الخزانة ونظر لاسم المتصل ….ثم أدار واجهة الهاتف باتجاهي ….إنها جدتي نعم هي من تتصل …قلت له بلهفة : (خليني رد عليها وطمنها الله يخليك) أجاب بصوت هامس (مارح تردي عحدا بعمرك ورح تموتي وتطلع ريحتك هون )
وضع الهاتف على الطاولة أمامي وبدأ يدوّره يمينا وشمالاً والهاتف يرن ويرن ويرن …ما كان مني إلا أن مددت يدي وأمسكت بالهاتف …ولم أشعر إلا بيده وهي تمسك يدي وتفتلها خلف ظهري …صحت بصوت عالٍ …( أيدي …أيدي)
قال بصوت غليظ: (شوفي وليك راسك بقصو إذا بتعيديها فهمتي الا لا…. يا ولد تعال خدها ومابتتركا لتعترف بكل شي )
دخل أحد العناصر وأنا أصرخ بملء صوتي ( اتركوني اتركوني ماااعملت شي لك ايدي انكسرت خاف الله ..خاااف الله )
سحبني العنصر من يدي وأخرجني خارج الغرفة ونزل بي إلى الطابق السفلي حوالي طابقين تحت الأرض …وأنا أصرخ وهو يضغط على يدي ….سحبني بعد انتهاء السلم إلى غرفة في آخر البهو مظلمة كبيرة وباردة …. بدأت أصرخ , خفت كثيرا وبدأت أفقد الأمل …ليتني سمحت لذاك العسكري الذي طلب رقم عائلتي الاتصال بهم …كم كنت مغفلة وكم يصعب الوثوق بهؤلاء المجرمين.
دفع بي إلى داخل الغرفة , أمرني بالجلوس على كرسي حديدي , واقترب مني شيئاً فشيئاً , أمسك بطرف غطاء رأسي ولفه حول رقبتي في محاولة منه لخنقي وهو يردّد بكل برود : ( أي ياحلوة وين كنتو رايحين وشوهالصور يلي بجهاز رفيقتك ومن ايمتى هي بتروح وبتجي عالسعودية ومين داعما وشو نشاطاتا )
بدأت أنفاسي تنقطع بعض الشيء وصوتي يحشرج ويداي تمسك بطرف الشال كي أبعده عن رقبتي …عندما شعر أنني سوف أختنق أبعده عن رقبتي …وقال بتلك اللهجة المستهزأة : (يلا احكيلي لشوف)
قلت له وأنا أبكي وأحاول لململة شعري وستره بغطائي: (والله العظيم كنت ماشية بالشارع وشفتا عالموقف وترافقنا عالطريق لحتى ما نمشي كل وحدة لحالا لحد ما وصلنا عالحاجز وشفتن وقفوها وطولت جوا عندن قمت جيت بس لحتى استعجلا حتى نكمل طريقنا سوا …واللله العظيم ما كذبت عليك ولااا بحرف والله والله ….واهلي ناطريني ولازم ارجع الله يخليك صدقني )
رد ّ بكلمات غريبة…(ولك انتي هبلة الا عم تهبلي حالك علينا شو شايفتنا جدبان لحتى نصدق هالحكي هاد ولك هالكلام بعقل مجانين مابيفوت …بدك تحكي الا بكمل ترى عنا اساليب بتخلي الحجر ينطق )
وبينما هو يكمل كلامه وإذ بصوت عبير في الغرفة الثانية تصرخ بأعلى صوتها ..بالتزامن مع صوت سوط يجلد جسدها دون رحمة ….
كنت أسمع صوتها وأبكي من شدة خوفي ..ما أبشع أن تسمع صوت إنسان ما يتعذب ويتألم ولا تستطيع أن تفعل له شيئاً , إنه شعور العجز والإحباط واليأس…غبت عن الوعي للحظات وأنا أسمع صوت عبير تتعذب وتستغيث …وعندما استفقت وجدت نفسي في غرفة صغيرة مكتظة بالنساء الشاحبات البائسات …وهن ينظرن إليّ بعين الشفقة …(الحمد لله عسلامتك يا بنتي ) قالت لي إحداهن وعيناها ترغرغ بالدمع …(قومي قومي وقولي يارب الله يفرجا علينا وعليكي ….ونطلع من هون بأقرب وقت ياااارب .
تأملت الغرفة بصمت بعدما أصابتني حالة من الجمود واليأس….وقعت عيني على إحدى الفتيات الجالسات في الغرفة وعيناها ترغرغ بالدموع دون أي صوت , ورأسها مسند على الحائط ولا مكان تمد فيه قدميها لترتاح أو تنام ….بدأت أفكر هل سأقضي ليلتي هنا ؟وهل سأبقى أياما هنا كما هؤلاء الفتيات …عقلي لم يعد يستوعب الأمر وأخذت أبكي بصمت وحرقة وأنا أجلس مسندة رأسي على صدر إحدى النساء المحتجزات معنا ….
فجأة بدأ يرتفع صراخ أحد الشبان وهو يستغيث ويصرخ من هول التعذيب وبدأت أصرخ من هول ما شعرت به ….فلم أجد إلا باب الزنزانة قد فتح ودخل منه أحدهم وهو يقول (رح اشحطك لعندو واعمل فيك متل ماعم نعمل فيه اذا بيطلع صوتك ).
يتبع …..
مجلة الحدث …ريما محسن