مسلسلات الدراما السورية اشتهرت على نطاق واسع في العالم أجمع، ولكن كل مسلسل لابد له من نهاية، إلا أن ذاك المسلسل الواقعي الذي بدأ منذ خمس سنوات، تعددت أبطاله المتنازعة، تتالت أجزاؤه، والضحية واضحة ألا وهو الشعب السوري.
برزت مدينة تدمر الأثرية البالغ عدد سكانها 35 ألف نسمة، المنافسة للحضارة الرومانية، القابعة جغرافيا منتصف سوريا، تابعة لريف محافظة تدمر، كإحدى الأجزاء من مسلسل الموت السوري.
زنوبيا ملكة ملكات الشرق لم تدري أن مملكتها التي شهدت ازدهارا حضارياً تجارياً على زمنها، سيأتي عليها أبطال جدد يهدمون ما بنته منذ سنوات، فمع بدء الثورة السورية انتفض الشعب التدمري مساندا لأهالي درعا، تشكلت ضمنها مجموعات ثورية مسلحة، فاقتحم جيش النظام المدينة مثيراً الهلع في نفوس الأفراد، ونظراً لموقع المتحف في وسط المدينة و قربه من فرع الأمن العسكري، اتخذت المتحف كموقع لاستهداف أماكن تواجد تلك المجموعات في بساتين المدينة و القريبة من المتحف، فتم حينها نصب عدة مدافع هاون و راجمة صواريخ صغيرة على سطح المتحف و تم ايضاً إنشاء حاجز للجيش لا يبعد سوى أمتار قليلة عن حرم المتحف.
فلم يكتف النظام بسياساته العسكرية، بل لجأ للاستراتيجيات السياسية متعمدا نقل المحتويات الأثرية من متحف تدمر الوطني، ليتم نقلها بالطائرات حصراً بالتنسيق مع فرع الأمن العسكري بتدمر و القصر الجمهوري، دون إطلاع مسؤولي الآثار و المتحف في تدمر، بحسب قرار صادر عن المديرية العامة للآثار و المتاحف بدمشق في الشهر الرابع من عام 2014.
انتهى الجزء الأول في تدمر عندما قام النظام في نهاية الشهر الخامس لعام 2015 بتسليمها إلى تنظيم الدولة، “محمد ابو هادي” ناشط إعلامي من سكان تدمر يقول:” إن قوات النظام لم تدافع عن مدينة تدمر، وإن سيطرة ما يسمى تنظيم الدولة على المدينة أمس تمت من خلال تسليم قوات النظام لها”، كما أكد أبو هادي أن “مما يعزز هذا الطرح أنه لا يوجد خسائر تذكر لقوات النظام، ولا أسرى لهم عند التنظيم، حتى خسائر بالأرواح غير موجودة بين عناصر التنظيم، هذه أول معركة يخوضها التنظيم بدون عمليات انتحارية أو سيارات مفخخة”.
بدأ الجزء الثاني من المسلسل، بعد سرقة النظام للآثار تابع التنظيم مسيرته في القتل والتدمير والقصاص العلني لسكان المدينة، فالخسارة البشرية رافقتها خسارة حضارية، فقصف للنظام، مع تدمير من قبل التنظيم، أعقبها قصف الطيران الروسي مؤخرا، راح ضحيتها تراث متجذر بأعماق سورية.
يكاد تنظيم الدولة ينتهي من تدمير معظم معالم مدينة تدمر الأثرية، فمن معبد “بعل شمين” التابع للعصر الروماني بأغسطس إلى معبد بل إلى المقابر البرجية إلى المزارات الصوفية بالمدينة إلى قنطرة النصر الذي يعتبر أيقونة مدينة تدمر الأثرية في اكتوبر، لأنها من الآثار السورية الستة في قائمة المنظمة الدولية للتراث الثقافي العالمي ،إلى ثلاثة أبراج مقامة على القبور في سبتمبر، منها برج الإله العائد بإقامته لعام 104 قبل الميلاد.
إضافة لإعدام مدير آثار المدينة خالد الأسعد”، بحسب موقع السورية نت لعام 2015، قام تنظيم الدولة بتفجير كل هذه المعالم التاريخية بدعوى أنه يزيل “معالم الشرك بالله” مع أن المعابد التاريخية بتدمر ليس لها أي قيمة دينية عند أحد وإنما كانت معابد لشعوب عاشت في المنطقة قبل آلاف السنين واندثرت بكاملها لتبقى مبانيها التاريخية دالة على عظم حضارة سوريا وقدمها.
أخيرا ليس آخرا قامت أيضا الطائرات الروسية بشن عدة غارات منها غارة على الحرم الأثري المجاور لفرع الأمن العسكري غربي المدينة، مما أدى لدمار كبير داخله.
“تدمرتو” الاسم الحقيقي الآرامي لتدمر معناه المعجزة، فإن كانت تدمر في عهد الثورة السورية قدمت أكثر من 200 شهيد، مئات الجرحى، واستقبلت أكثر من 200 نازح من الارجاء السورية، كما وثقتها منظمة حقوق الإنسان، هل بالفعل يمكن لنظام الأسد أن يعجزها وينهي الجزء الخاص بمسلسلها في التضحية البشرية والفكرية؟؟ مادامت أحجارها القديمة ترسم لوحة الصمود التي تعود ل 2000سنة قبل الميلاد.
محار الحسن
المركز الصحفي السوري