يستمر النظام السوري بدعم من حلفائه في زيادة ضغوطه على المعارضة السورية في محاولة لتحقيق مكاسب على الأرض تمكنه من الذهاب لجنيف 3 من موقع أكثر قوة.
ويذهب النظام في هذا المنحى إلى أبعد مدى من خلال تكثيف حصاره على مدن وبلدات سورية آهلة بالمدنيين العزل على غرار مدينة مضايا في ريف دمشق.
وقد تحولت هذه المدينة خلال ستة أشهر من الحصار المطبق إلى مقبرة جماعية، في ظل ارتفاع عدد الوفيات بها نتيجة الجوع والبرد.
وأثارت صور ملتقطة عبر الهاتف لأشخاص في حالة هزال شديد داخل المدينة، ردود فعل غاضبة ومستنكرة من منظمات حقوقية، الأمر الذي شكل ضغطا على النظام ما دفعه إلى القبول بإدخال مساعدات إليها.
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيان الخميس تلقيه موافقة من الحكومة السورية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى ثلاث مدن سورية بينها مضايا.
ونقلت الأمم المتحدة عن “تقارير موثوقة بأن الناس يموتون من الجوع ويتعرضون للقتل أثناء محاولتهم مغادرة المدينة التي يعيش فيها نحو 42 ألف شخص”.
وكانت آخر قافلة مشتركة بين الأمم المتحدة والهلال الأحمر العربي السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر أرسلت إلى مضايا في 18 أكتوبر 2015، كما نفذت عملية إجلاء طبي في 28 ديسمبر”.
ويحاصر الجيش السوري وميليشيات حزب الله اللبناني قرى عدة في ريف دمشق منذ أكثر من سنتين، لكن الحصار على مضايا تم تشديده قبل نحو ستة أشهر.
ومضايا هي واحدة من أربع بلدات سورية تم التوصل إلى اتفاق بشأنها بين الحكومة السورية والفصائل المقاتلة ينص على وقف لإطلاق النار وإيصال المساعدات ويتم تنفيذه على مراحل عدة.
وبموجب الاتفاق، تم في 28 ديسمبر إجلاء أكثر من 450 مسلحا ومدنيا من الزبداني ومضايا المحاصرتين في ريف دمشق ومن الفوعة وكفريا الخاضعتين لحصار فصائل معارضة في محافظة إدلب في شمال غرب البلاد.
وكان من المقرر، وفق الاتفاق، وبعد انتهاء عملية الإجلاء السماح بإدخال مساعدات إنسانية وإغاثية إلى البلدات المحاصرة إلا أن الأمر لم ينفذ.
وسياسة الحصار جزء من استراتيجية النظام وحلفائه لإخضاع المدن والبلدات المناوئة له، ويعتقد خبراء عسكريون أن يكثف النظام اعتماده على هذا الأسلوب في المرحلة المقبلة، باعتباره الأقل تكلفة، رغم تبعاته الإنسانية الوخيمة.
وقد بدا هذا واضحا، في طريقة تعامله مع الوضع الميداني في ريفي حمص الشمالي وحماه الجنوبي، حيث يسعى لتقطيع أوصال البلدات والقرى في هذين الشطرين تمهيدا لفرض حصار خانق عليها، بعد أن عجز عن السيطرة نتيجة صمود فصائل المعارضة.
ويحاول النظام المدعوم بميليشيات إيرانية والغطاء الجوي الروسي تحقيق أكبر قدر من الانتصارات قبيل لقائه المباشر مع المعارضة في جنيف في 25 من الشهر الحالي، والذي لا يعلق عليه السوريون كما المجتمع الدولي آمالا كبيرة، على ضوء التوتر الشديد بين السعودية وإيران.
وكانت طهران قد أعربت عن شكوكها في مدى نجاح التسوية في ظل علاقتها المتشنجة مع المملكة. وتعتبر السعودية وإيران من المؤثرين الإقليميين في المشهد السوري، حيث تدعم المملكة قوات المعارضة السورية، فيما تدعم طهران النظام الذي سخرت له ميليشيات لحمايته من السقوط والانهيار.
والطرفان يتمسكان برؤيتهما للحل السوري، ففيما ترى السعودية ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد والحلقة الضيقة الموالية له، تصر إيران على ضرورة بقائه، وبعد الأزمة التي اندلعت بينهما على خلفية إعدام النمر يتوقع محللون أن يتشبث الطرفان برأيهما.
بالمقابل، فإن إدارة أوباما لها حساباتها الخاصة التي لا تتلاقى والرؤية الروسية، ويظهر ذلك من الوثيقة الأميركية التي تم تسريبها مؤخرا والتي تكشف عن توقعات برحيل الأسد عن الحكم في مارس 2017.
وقد نفى ميخائيل بوجدانوف، نائب وزير الخارجية المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط الخميس، أن تكون مسألة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن سدة الحكم في مارس 2017 قد طرحت في إطار اجتماعات أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا في فيينا.
وقال بوجدانوف، “ربما تكون لهم خططهم وترتيباتهم (الجانب الأميركي)، لكن ذلك لم يطرح في فيينا، وطرحه أمر مستبعد”.
وتعتبر موسكو أن الانتخابات الرئاسية هي المحدد لمصير الرئيس السوري الحالي، ما يعني أن لا أفق فعلي لحل الأزمة في ظل هذا التضاد.
صحيفة العرب