لم يكن الفلسطينيون بمعزل عن الثورة السورية، وكانوا جزءا لا يتجزأ منها، حيث القضية واحدة، وهي إسقاط النظام في سوريا لفتح الحدود مع إسرائيل، وفتح ملف العودة المغلق باسم الممانعة.
انقسم الفلسطينيون في مخيم اليرموك كما في كل المناطق السورية، إلى معارضين للنظام وموالين له، ناشطين داعمين للثورة السورية، وشبيحةٍ يمارسون القمع ضد أهلهم في المخيم. فمنذ اللحظات الأولى للثورة السورية حصلت تظاهرات ضد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي يقودها أحمد جبريل، نتيجة وقوفها مع النظام في قمع تظاهرات المناطق المجاورة؛ وذلك في موقف من المتظاهرين مؤيد للثورة السورية، فقد باتوا مقتنعين بأن النظام السوري عقبة في وجههم للعودة إلى فلسطين. في الوقت نفسه ظل جزء من الفلسطينيين، وأعتقد أنهم قلة، مقتنعين بخطاب النظام السوري في الممانعة، وفي دعم القضية الفلسطينية.
خوفا من تلك المواجهات الفلسطينية الفلسطينية، حيث كان الانقسام يشمل البيت الواحد، قرر ناشطو المخيم، الفلسطينيون والسوريون، تحييد المخيم، أرضا، عن أن يكون ساحة للتظاهرات. لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون ساحة لاحتواء الناشطين من كل دمشق وريفها، ومكانا لعقد الاجتماعات السرية، ووضعت مشافي المخيم في خدمة جرحى الثورة السورية. ولم يكن الفلسطينيون بمعزل عن الثورة السورية مطلقا، فقد شاركوا فيها في كل الأماكن، وكانوا جزءا لا يتجزأ منها، حيث القضية واحدة، وهي إسقاط النظام في سوريا لفتح الحدود مع إسرائيل، وفتح ملف العودة المغلق باسم الممانعة، وباسم احتواء الفلسطينيين سياسيا في أحزاب وجبهات “مُقاوِمة” بالشعارات الفارغة لا غير، تشبه إلى حد بعيد، الأحزاب السورية المنضوية في الجبهة الوطنية التقدمية، حيث يحصل قادتها على بعض النفوذ والامتيازات المرتبطة ببقائها موالية للنظام السوري.
بعد تحول الثورة إلى العسكرة، كان نصيب المخيم تناوبا على السيطرة من عدة كتائب ذات توجهات مختلفة، منها النصرة ومنها كتائب إسلامية وآخرها أكناف بيت المقدس المقربة من حماس، وكذلك كان لكتائب الجبهة الشعبية، وفتح الانتفاضة، المقربين من النظام بعض التواجد. وفي الأول من أبريل 2015 دخل تنظيم الدولة الإسلامية المخيم وسيطر عليه كليا خلال يومين. لم تكن كذبة الأول من أبريل أن جبهة النصرة المتواجدة في الحجر الأسود، وكذلك في المخيم، هي من سهلت دخوله، الكذبة هي في نفيها الأمر، سيما وأن داعش رفعت أعلام النصرة حال دخولها المخيم. وكذلك ليست كذبة أن النظام سهل دخول التنظيم، بل ربما برغبة خفية منه.
النظام قصف المخيم مرارا من قبل ومنذ أكثر من سنتين، بالمدافع والميغ، وتسبب في نزوح الجزء الأكبر من أهله، سوريون وفلسطينيون، ليتبقى فيه قرابة 18 ألف شخص ثلثهم سوريون. لم يتمكن من اقتحامه والسيطرة عليه، فأطبق حصاره وتسبب في موت أكثر من 150 شخصا جوعا. الأمر ذاته يفعله في الغوطة الشرقية وفي داريا، وفي الأرياف البعيدة، وكان التجويع العامل الحاسم في انسحاب الثوار من حمص القديمة. الآن النظام مهدد في دمشق من تقدم الثوار من الجنوب، من درعا. هو يريد حماية حدوده الجنوبية عبر السيطرة عليها وتحويلها إلى طوق أمني محكم يحمي العاصمة. لذلك استغل دخول تنظيم الدولة إلى المخيم أحسن استغلال، ونوى اقتحامه، بعد تدميره كليا باسم محاربة الإرهاب، وبدعم من الفصائل الفلسطينية الرسمية، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، كما جاء على لسان عضوها الموفد رسميا إلى دمشق أحمد مجدلاني. فقد صادق على تصريحات وزير النظام علي حيدر بأن الوضع في المخيم بات يستدعي حلا عسكريا. وبالتالي النظام سيحظى أيضا بدعم أو صمت عربي ودولي، ليدمر المخيم قبل أن يقتحمه. رغم أنه دمّر من قبل ما يزيد عن 30 بالمئة منه، حيث ألقى خلال أسبوع أكثر من 25 برميلا متفجرا. ولن يتوانَى عن استخدام كل أسلحة الإبادة التي يمتلكها، بما فيها المحرمة دوليا.
سياسة التدمير الكلي باتت الوسيلة الوحيدة أمام النظام للسيطرة؛ فعلها في حمص القديمة التي لم يتبقّ فيها حجر على حجر، وفي المليحة، وكذلك فعلها في مناطق فيها موالون، وآخرها في قرية المبعوجة في ريف حماه الشرقي، والعام الماضي دمر بناء كاملا في الزاهرة، يقطنه مدنيون، بعد تمركز عناصر من أحرار الشام فيه. فلا يعنيه الحفاظ على الأرواح، بل ما يعنيه فقط، السيطرة على المناطق الاستراتيجية التي تحمي مواقعه.
النظام السوري يحسب حسابا لغضب إسرائيل منه؛ فقد شارك في لجم أي حراك يقوم به الفلسطينيون للعودة إلى أرضهم، وتقرير مصيرهم، وحصر المقاومة والممانعة به، وقضى على أي توجه فلسطيني وطني نحو التحرر، وتل الزعتر شاهد على ذلك. ولم يدعم سوى تلك التنظيمات الإسلامية والجهادية التوجه كحماس، وبالمثل يفعل مع حزب الله في لبنان؛ فهذا النوع من المقاومين مفضلٌ لدى الإسرائيليين وداعميهم، كونهم يحتوون الرغبة في تشكيل مقاومة، ويقلبونها في شكل طائفي فئوي، لا يمكن أن يخدم القضية الفلسطينية، بل ينعكس سلبا، كبديل عن أي إطار وطني جامع ممكن.
النظام هجّر أهل المخيم، كما هجر السوريين من مناطقهم في كل أنحاء سوريا. لكن ما يفعله في حق الفلسطينيين السوريين مرحب به دوليا، ومن إسرائيل خصوصا؛ فهو يساهم في تشتيت كتلة لا بأس بها من الفلسطينيين السوريين، يُخشى انفلاتها مستقبلا بوجه إسرائيل. وقد كان هو من يحتويها من قبل ليس بالتستّر بالشعارات الفارغة فحسب، بل بالترهيب والقمع، أسوة بإخوتهم السوريين. فقد خصّ أحدَ فروعه الأمنية “الممانعة”، وهو الأشرس تاريخيا، باسم فرع فلسطين.
العربرانيا مصطفى