أمسك “براء” قطعة من الحجارة أحضرها معه من بقايا ركام بيته، وجلس خلف الخيمة يتأملها وكأنه يجد فيها وطنا ضائعا، أحلاما بعيدة، وذكريات جميلة لن تتكرر، وعلامات الحزن والحسرة تجلت في ملامح وجهه البريء، التقط عصا صغيرة وبدأ يحفر بالرمال لتتبلور أفكاره بجملة خطها بيديه الصغيرتين ” الله ينتقم منك يا بشار”، فحياته في المخيم باتت أشبه بكابوس لا يعرف متى يستيقظ منه ولا يعلم إلى متى ستدوم إقامته فيه.
يقطن براء في مخيم “الرحمة” التابع لتجمع مخيمات أطمة الحدودي مع تركيا، ويعد مخيم أطمة من أكبر المخيمات في الشمال السوري حيث يضم 67 مخيما تتوزع على قسمين: شمالي وجنوبي، ويعيش فيه 67 ألف نازح وفدوا إليه من مختلف المناطق السورية التي تشهد اشتباكات ومعارك بين الأطراف المتنازعة فيها، وقد ارتفع عدد النازحين هذا العام أكثر من 10 آلاف نازح معظمهم من ريفي حلب وحماه بعد التصعيد العسكري في مناطقهم.
دمر الطيران الروسي منزل “براء” (10 أعوام) أمام عينيه بعد أن شن غارات جوية عدة استهدفت قريته عندان في ريف حلب، لم يعد يذكر كيف ومتى ولماذا، بل جل ما يذكر أنه نجا من الموت مع عائلته بأعجوبة بعد أن سارعت فرق الدفاع المدني لإخراجهم من تحت الأنقاض، خرج وبحوزته قطعة من حجارة بيته احتفظ بها لأنه كان يعلم أن أحلامه انهارت وأن حياة المخيمات بانتظاره، ككثير من العائلات التي دمر منازلها طيران النظام فما كان لهم إلا المعيشة في المخيمات، وكأن حان الوقت ليرحل إليها.
يقول “عبدالرحمن” نازح في مخيم “يوسف” التابع لتجمع أطمة :” واقع خدمي سيئ وحياة تفتقر لعدة مقومات أهمها النظافة يعيشها قاطنو مخيمات أطمة، بعد توقف معظم المنظمات الإنسانية عن الدعم بما فيها منظمة “ميديكال” المعنية بالشؤون الطبية، وانتهاء عقود الآليات التي تجمع القمامة ما أدى لتراكم القمامة التي تجلب بدورها الأوبئة والأمراض الجلدية بأنواعها، واللاشمانيا وحمى التيفوئيد وغيرها”.
وأضاف عبد الرحمن :” رغم الجهود التي تبذلها إدارة المخيم لجلب دعم يؤمن الخدمات الأساسية إلا أن المنظمات تقابل الطلب بالرفض والسبب أن تجمع أطمة هو عبارة عن عدة مخيمات عشوائية لا تخضع لنظام، إذ إنها كانت في بادئ الأمر مجموعة خيام نصبها الأهالي منذ أربع أو خمس سنوات معظمهم من ريف إدلب وجبل الزاوية”، ويكمل بحسرة :” إلى أين نذهب؟ حياتنا كلها شقاء ومعاناة، الله يرحمنا “.
اشتاق براء لبلدته، لحيّه، لأصدقائه ولبيته المهدم، ضاعت طفولته ومستقبله بين مخيمات النزوح وركام الوطن، حاله كحال جميع الأطفال في المخيم، يعيشون حياة متشابهة لا تختلف بشيء سوى أنها تنتقص من براءتهم وتحملهم فوق طاقتهم، تقول “أم براء”:” كان براء من المتفوقين في المدرسة إلا أننا بعدما أجبرنا على النزوح تراجع في دراسته، كل يوم يقول لي: “أمي أريد مدرستي”، فهنا واقع التعليم سيء جدا، وجميع المدرسين يعملون بشكل طوعي دون أجر، ولا يوجد كتب أو حتى مقاعد، وحياة التنقلات من مخيم لآخر تسببت بحالة من التشتت الفكري للأطفال”.
رغم جميع المناشدات للمنظمات إلا أنها لم تحرك ساكنا أو تنظر بعين الاعتبار للوضع الإنساني الصعب للسوريين هناك، والحجة أنه عشوائي، وما المشكلة إن أنشأتم مخيمات منتظمة بدلا منها، أم أنهم يدعمون ما يحقق لهم مصالحهم ويدر عليهم أرباحا طائلة، السوريون لا يريدون دعما ولا ينتظرون خياما جديدة أو طعاما يؤكل، ينظر “براء” للسماء بعينين ملأتها الدموع يبكي ويقول :” يا رب تخلص الحرب، بدي عيش ببيت، ما عاد بدي عيش بخيمة، بدي وطن أدرس فيه وجمعني بكل الي بحبن”.
المركز الصحفي السوري – سماح الخالد